والرابع : أنهم اعترفوا له بالحلم والرّشد حقيقة ، وقالوا : أنت حليم رشيد ، فلم تنهانا أن نفعل في أموالنا ما نشاء؟ حكاه الماوردي ، وذهب إلى نحوه ابن كيسان.
قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) قد تقدّم تفسيره.
وفي قوله تعالى : (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الحلال ؛ قال ابن عباس : وكان شعيب كثير المال. والثاني : النّبوّة. والثالث : العلم والمعرفة.
قال الزّجّاج : وجواب الشرط ها هنا متروك ، والمعنى : إن كنت على بيّنة من ربّي ، أتّبع الضّلال؟ فترك الجواب ، لعلم المخاطبين بالمعنى ، وقد مرّ مثل هذا.
قوله تعالى : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) قال قتادة : لم أكن لأنهاكم عن أمر ثم أرتكبه. وقال الزّجّاج : ما أقصد بخلافكم القصد إلى ارتكابه.
قوله تعالى : (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) أي : ما أريد بما آمركم به إلّا إصلاح أموركم بقدر طاقتي. وقدر طاقتي : إبلاغكم لا إجباركم.
قوله تعالى : (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) فتح تاء «توفيقي» أهل المدينة ، وابن عامر. ومعنى الكلام : ما إصابتي الحقّ في محاولة صلاحكم إلّا بالله ، (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي : فوّضت أمري ، وذلك أنهم تواعدوه بقولهم : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ) ، (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أي : أرجع.
قوله تعالى : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) حرّك هذه الياء ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع. قال الزّجّاج : لا تكسبنّكم عداوتكم إيّاي أن تعذّبوا.
قوله تعالى : (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) فيه قولان : أحدهما : أنهم كانوا قريبا من مساكنهم. والثاني : أنهم كانوا حديثي عهد بعذاب قوم لوط. قال الزّجّاج : كان إهلاك قوم لوط أقرب الإهلاكات التي عرفوها. قال ابن الأنباري : إنّما وحّد بعيدا ، لأنه أزاله عن صفة القوم ، وجعله نعتا مكان محذوف ، تقديره : وما قوم لوط منكم بمكان بعيد.
قوله تعالى : (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) قد سبق معنى الرّحيم. فأمّا الودود : فقال ابن الأنباري : معناه : المحبّ لعباده ، من قولهم : وددت الرجل أودّه ودّا وودّا ، ويقال : وددت الرجل ودادا وودادة وودادة. وقال الخطّابيّ : هو اسم مأخوذ من الودّ ؛ وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون فعولا في محلّ مفعول ، كما قيل : رجل هيوب ، بمعنى مهيب ، وفرس ركوب ، بمعنى مركوب ، فالله سبحانه مودود في قلوب أوليائه لما يتعرّفونه من إحسانه إليهم.
والوجه الآخر : أن يكون بمعنى الوادّ ، أي أنه يودّ عباده الصالحين ، بمعنى أنه يرضى عنهم بتقبّل أعمالهم ؛ ويكون معناه : أن يودّدهم إلى خلقه ، كقوله عزوجل : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (١).
قوله تعالى : (ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) قال ابن الأنباري : معناه : ما نفقه صحّة كثير ممّا تقول ، لأنهم كانوا يتديّنون بغيره ، ويجوز أن يكونوا لاستثقالهم ذلك كأنّهم لا يفقهونه.
__________________
(١) سورة مريم : ٩٦.