اللغويين : لا يكون الإهراع إلّا إسراع المذعور الخائف ؛ لا يقال لكلّ مسرع : مهرع حتى ينضمّ إلى إسراعه جزع وذعر. قال المفسّرون : سبب إهراعهم ، أنّ امرأة لوط أخبرتهم بالأضياف.
(وَمِنْ قَبْلُ) أي : ومن قبل مجيئهم إلى لوط (كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) يعني فعلهم المنكر. وفي قوله : (هؤُلاءِ بَناتِي) قولان :
أحدهما : أنهنّ بناته لصلبه ، قاله ابن عباس. فإن قيل : كيف جمع ، وإنّما كنّ اثنتين؟
فالجواب : أنه قد يقع الجمع على اثنين ، كقوله : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ).
والثاني : أنه عنى نساء أمّته ، لأنّ كلّ نبيّ أبو أمّته ، والمعنى : أنه عرض عليهم التّزويج ، أو أمرهم أن يكتفوا بنسائهم ، وهذا مذهب مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن جريج.
فإن قيل : كيف عرض تزويج المؤمنات على الكافرين؟ فعنه جوابان :
أحدهما : أنه قد كان يجوز ذلك في شريعته ، وكان جائزا في صدر الإسلام حتى نسخ ، قاله الحسن. والثاني : أنه عرض ذلك عليهم بشرط إسلامهم ، قاله الزّجّاج ، ويؤكّده أنّ عرضهنّ عليهم موقوف على عقد النّكاح ، فجاز أن يقف على شرط آخر.
قوله تعالى : (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) قال مقاتل : هنّ أحلّ من إتيان الرّجال.
قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ) فيه قولان : أحدهما : اتّقوا عقوبته. والثاني : اتّقوا معصيته.
قوله تعالى : (وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي) حرّك ياء «ضيفي» أبو عمرو ، ونافع. وفي معنى هذا الخزي ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الفضيحة ، قاله ابن عباس. والثاني : الاستحياء ، والمعنى : لا تفعلوا بأضيافي فعلا يلزمني الاستحياء منه ، لأنّ المضيف يلزمه الاستحياء من كلّ فعل يصل إلى ضيفه. والعرب تقول : قد خزي الرّجل يخزى خزاية : إذا استحيا ، قال الشاعر :
من البيض لا تخزى إذا الرّيح ألصقت |
|
بها مرطها أو زايل الحلي جيدها (١) |
والثالث : أنه بمعنى الهلاك ، لأنّ المعرّة التي تقع بالمضيف في هذه الحال تلزمه هلكة ، ذكرهما ابن الأنباري. قال ابن قتيبة : والضّيف ها هنا : بمعنى الأضياف ، والواحد يدلّ على الجميع ، كما تقول : هؤلاء رسولي ووكيلي.
قوله تعالى : (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) في المراد بالرّشيد قولان : أحدهما : المؤمن.
والثاني : الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر ، رويا عن ابن عباس.
قال ابن الأنباري : يجوز أن يكون الرّشيد بمعنى المرشد ، فيكون المعنى : أليس منكم مرشد يعظكم ويعرّفكم قبيح ما تأتون؟ فيكون الرّشيد من صفة الفاعل ، كالعليم ، والشّهيد. ويجوز أن يكون الرّشيد بمعنى المرشد ، فيكون المعنى : أليس منكم رجل قد أسعده الله بما منحه من الرّشاد يصرفكم عن إتيان هذه المعرّة؟ فيجري رشيد مجرى مفعول ، كالكتاب الحكيم بمعنى المحكم.
قوله تعالى : (ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) فيه قولان : أحدهما : ما لنا فيهنّ حاجة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : لسن لنا بأزواج فنستحقّهنّ ، قاله ابن إسحاق ، وابن قتيبة.
__________________
(١) في «اللسان» المرط : كساء : من خز أو صوف أو كتان ، وقيل هو الثوب الأخضر.