(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢))
قوله تعالى : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ) يعني العباد. وفي متولّي الرّدّ قولان : أحدهما : أنهم الملائكة ، ردّتهم بالموت إلى الله تعالى. والثاني : أنه الله عزوجل ، ردّهم بالبعث في الآخرة. وفي معنى ردّهم إلى الله تعالى ، قولان : أحدهما : أنهم ردّوا إلى المكان الذي لا يملك الحكم فيه إلّا الله وحده. والثاني : أنهم ردّوا إلى تدبيره وحده ؛ لأنه لما أنشأهم كان منفردا بتدبيرهم ، فلما مكّنهم من التّصرّف صاروا في تدبير أنفسهم ، ثمّ كفّهم عنه بالموت فصاروا مردودين إلى تدبيره.
قوله تعالى : (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) يعني القضاء. وبيان سرعة الحساب ، في سورة البقرة.
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤))
قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ) قرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائيّ ، وأبو جعفر : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ) ، مشدّدين. وقرأ يعقوب ، والقزّاز عن عبد الوارث : بسكون النون وتخفيف الجيم. قال الزّجّاج : والمشدّدة أجود للكثرة. وظلمات البرّ والبحر : شدائدها ؛ والعرب تقول لليوم الذي تلقى فيه شدّة : يوم مظلم ، حتى إنهم يقولون : يوم ذو كواكب ، أي : قد اشتدّت ظلمته حتى صار كالليل.
قال الشاعر :
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي |
|
إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا (١) |
قوله تعالى : (تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً) أي : مظهرين الضّراعة ، وهي شدّة الفقر إلى الشّيء ، والحاجة. قوله تعالى : (وَخُفْيَةً) قرأ عاصم إلّا حفصا : «وخفية» بكسر الخاء ؛ وكذلك في سورة الأعراف. وقرأ الباقون بضمّ الخاء ، وهما لغتان. قال الفرّاء : وفيها لغة أخرى بالواو ، ولا تصلح في القراءة : خفوة ، وخفوة. ومعنى الكلام ، أنكم تدعونه في أنفسكم ، كما تدعونه ظاهرا : «لئن أنجيتنا» ، كذلك قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وأبو عمرو : «لئن أنجيتنا» ، وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائيّ : «لئن أنجانا» بألف ، لمكان الغيبة في قوله : «تدعونه». وكان حمزة ، والكسائيّ ، وخلف ، يميلون الجيم. قوله تعالى : (مِنْ هذِهِ) يعني : في أيّ شدة وقعتم ، قلتم : «لئن أنجيتنا من هذه». قال ابن عباس : و «الشّاكرون» ها هنا : المؤمنون. وكانت قريش تسافر في البرّ والبحر ، فإذا ضلّوا الطريق وخافوا الهلاك ، دعوا الله مخلصين ، فأنجاهم. فأما «الكرب» فهو الغمّ الذي يأخذ بالنّفس ، ومنه اشتقّت الكربة.
(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥))
__________________
(١) البيت أنشده سيبويه في «الكتاب» ١ / ٢١ ونسبه لمقاس العائذي. وأراد باليوم يوما من أيام الحرب ، وصفه بالشدة فجعله كالليل تبدو فيه الكواكب ، إما لكثرة السلاح الصقيل فيه ، وإما لما ذكره من النجوم.