عنه قولان : أحدهما : أنه الإخبار بمصير الكافر به ، فالمعنى : فلا تك في شكّ
أنّ موعد المكذّب به النار ، وهذا قول ابن عباس. والثاني : أنه القرآن ، فالمعنى : فلا تك في شكّ من أنّ القرآن من
الله تعالى ، قاله مقاتل. قال ابن عباس : والمراد بالناس هاهنا : أهل مكّة.
قوله تعالى : (أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) قال الزّجّاج : ذكر عرضهم توكيدا لحالهم في الانتقام منهم
، وإن كان غيرهم يعرض أيضا. فأمّا «الأشهاد» ففيهم خمسة أقوال : أحدها : أنهم الرّسل ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : الملائكة ، قاله مجاهد وقتادة. والثالث : الخلائق ، روي عن قتادة أيضا. وقال مقاتل : «الأشهاد»
الناس ، كما يقال : على رؤوس الأشهاد ، أي على رؤوس الناس. والرابع : الملائكة والنّبيّون وأمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم يشهدون على الناس ، والجوارح تشهد على ابن آدم ، قاله ابن
زيد. والخامس
: الأنبياء
والمؤمنون ، قاله الزّجّاج. قال ابن الأنباري : وفائدة إخبار الأشهاد بما يعلمه
الله تعظيم بالأمر المشهود عليه ودفع المجاحدة فيه.
(الَّذِينَ يَصُدُّونَ
عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ
(١٩))
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللهِ) قد تقدّم تفسيرها في سورة الأعراف .
قوله تعالى : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) قال الزّجّاج : ذكرت «هم» ثانية على جهة التّوكيد لشأنهم
في الكفر.
(أُولئِكَ لَمْ
يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ
أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما
كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ
عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١))
قوله تعالى : (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ
فِي الْأَرْضِ) قال ابن عباس : لم يعجزوني أن آمر الأرض فتخسف بهم. (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ
أَوْلِياءَ) أي : لا وليّ لهم ممّن يعبدون يمنعهم منّي. وقال ابن
الأنباري : لمّا كانت عادة العرب جارية بقولهم : لا وزر لك منّي ولا نفق ، يعنون
بالوزر : الجبل ، والنّفق : السّرب ، وكلاهما يلجأ إليه الخائف ، أعلم الله تعالى
أنّ هؤلاء الكافرين لا يسبقونه هربا ، ولا يجدون ما يحجز بينهم وبين عذابه من جميع
ما يستر من الأرض ويلجأ إليه. قال : وقوله : (مِنْ أَوْلِياءَ) يقتضي محذوفا ، تلخيصه : من أولياء يمنعونهم من عذاب الله
، فحذف هذا لشهرته. قوله تعالى : (يُضاعَفُ لَهُمُ
الْعَذابُ) يعني الرّؤساء الصّادّين عن سبيل الله ، وذلك لإضلالهم
أتباعهم واقتداء غيرهم بهم. وقال الزّجّاج : (لَمْ يَكُونُوا
مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أي : في دار الدّنيا ، ولا لهم وليّ يمنع من انتقام الله ،
ثم استأنف : (يُضاعَفُ لَهُمُ
الْعَذابُ) لعظم كفرهم بنبيّه وبالبعث والنّشور.
قوله تعالى : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) فيمن عني بهذا قولان.
أحدهما
: أنهم الكفّار. ثم
في معناه ثلاثة أقوال : أحدها
: أنهم لم يقدروا
على استماع الخير ،
__________________