ومقصود الآيتين تهديد المخالفين ، وأضيف ذلك إلى الرّسول ليصعب الأمر فيه.
(قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧))
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ) يعني القرآن. وذلك أنّه كان لا ينزله عليّ فيأمرني بتلاوته عليكم (وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) أي : ولا أعلمكم الله به. قرأ ابن كثير : «ولأدراكم» بلام التّوكيد من غير ألف بعدها ، يجعلها لاما دخلت على «أدراكم». وقرأ أبو عمرو ، وحمزة والكسائيّ ، وأبو بكر عن عاصم : «أدريكم» بالإمالة. وقرأ الحسن ، وابن أبي عبلة ، وشيبة بن نصاح : «ولا أدرأتكم» بتاء بين الألف والكاف (١). (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً) : وقرأ الحسن ، والأعمش : «عمرا» بسكون الميم. قال أبو عبيدة : وفي «العمر» ثلاث لغات : عمر ، وعمر ، وعمر. قال ابن عباس : أقمت فيكم أربعين سنة لا أحدّثكم بشيء من القرآن. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أنه ليس من قبلي. (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) يريد : إنّي لم أفتر على الله ولم أكذب عليه ، وأنتم فعلتم ذلك حيث زعمتم أنّ معه شريكا. والمجرمون ها هنا : المشركون.
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨))
قوله تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ) أي : لا يضرّهم إن لم يعبدوه ، ولا ينفعهم إن عبدوه. قاله مقاتل ، والزّجّاج.
قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ) ـ يعني المشركين ـ (هؤُلاءِ) يعنون : الأصنام. قال أبو عبيدة : خرجت كنايتها على لفظ كناية الآدميين. وقد ذكرنا هذا المعنى في سورة الأعراف عند قوله : (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (٢). وفي قوله : (شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) قولان :
__________________
(١) قال أبو جعفر رحمهالله : ٦ / ٥٤١. وهذه القراءة التي حكيت عن الحسن ، عند أهل العربية غلط وكان الفراء يقول في ذلك : قد ذكر عن الحسن أنه قال : «ولا أدرأتكم به». قال : فإن يكن فيها لغة سوى «دريت» و «أدريت» ، فلعل الحسن ذهب إليها ، وأما أن تصلح من «دربت» أو «أدريت» فلا ، لأن الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما وسكنتا ، صحتا ولم تنقلبا إلى ألف ، مثل «قضيت ودعوت». ولعل الحسن ذهب إلى طبيعته وفصاحته فهمزها ، لأنها تضارع : «درأت الحد» ، وشبهه. وربما غلطت العرب في الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز ، فيهمزون غير المهموز. وسمعت امرأة من طيئ تقول : «رثأت زوجي بأبيات». ويقولون : «لبأت بالحج» و «حلأت السويق» ، فيغلطون ، لأن «حلأت» ، قد يقال في دفع العطاش من الإبل ، و «لبأت» ذهب به إلى «اللبأ» لبأ الشاء ، و «رثأت زوجي» ، ذهبت به إلى «رثأت اللبن» ، إذا أنت حلبت الحليب على الرائب فتلك «الرثيثة». وكان بعض البصريين يقول : لا وجه لقراءة الحسن هذه ، لأنها من «أدريت» مثل «أعطيت» ، إلا أن لغة لبني عقيل : «أعطات» يريدون أعطيت.
(٢) سورة الأعراف : ١٩١.