(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ) : قال مقاتل : هذا تخويف لكفّار مكّة. والظّلم هاهنا بمعنى الشّرك. وفي قوله : (وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) : قولان : أحدهما : أنه عائد على أهل مكّة ، قاله مقاتل. والثاني : على القرون المتقدّمة ، قاله أبو سليمان. قال ابن الأنباري : ألزمهم الله ترك الإيمان لمعاندتهم الحقّ وإيثارهم الباطل. وقال الزّجّاج : جائز أن يكون جعل جزاءهم الطّبع على قلوبهم ، وجائز أن يكون أعلم ما قد علم منهم. قوله تعالى : (كَذلِكَ نَجْزِي) أي : نعاقب ونهلك ، (الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) : يعني المشركين من قومك.
(ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤))
قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ) : قال ابن عباس : جعلناكم يا أمّة محمّد خلائف ، أي : استخلفناكم في الأرض. وقال قتادة : ما جعلنا الله خلائف إلّا لينظر إلى أعمالنا ، فأروا الله من أعمالكم خيرا بالليل والنّهار.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥))
قوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) : اختلفوا فيمن نزلت على قولين :
أحدهما : أنها نزلت في المستهزئين بالقرآن من أهل مكّة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني : أنها نزلت في مشركي مكّة ، قاله مجاهد ، وقتادة.
والمراد «بالآيات» : القرآن. و «يرجون» بمعنى : يخافون. وفي علّة طلبهم سوى هذا القرآن أو تبديله قولان : أحدهما : أنّهم أرادوا تغيير آية العذاب بالرّحمة ، وآية الرّحمة بالعذاب ، قاله ابن عباس. والثاني : أنهم كرهوا منه ذكر البعث والنّشور ، لأنهم لا يؤمنون به ، وكرهوا عيب آلهتهم ، فطلبوا ما يخلو من ذلك ، قاله الزّجّاج. والفرق بين تبديله والإتيان بغيره ، أنّ تبديله لا يجوز أن يكون معه ، والإتيان بغيره قد يجوز أن يكون معه.
قوله تعالى : (ما يَكُونُ لِي) حرّك هذه الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو ، وأسكنها الباقون. (مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) حرّكها نافع ، وأبو عمرو ، وأسكنها الباقون. والمعنى : من عند نفسي ، فالمعنى : أنّ الذي أتيت به من عند الله لا من عندي فأبدّله. (إِنِّي أَخافُ) فتح هذه الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو. (إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) أي : في تبديله أو تغييره ، (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يعني في القيامة.
فصل : وقد تكلّم علماء النّاسخ والمنسوخ في هذه الآية على ما بيّنّا في نظيرتها في الأنعام (١) ،
__________________
(١) سورة الأنعام : ١٥.