قوله تعالى : (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ) أي : للحقّ ، من إظهار صنعه وقدرته والدّليل على وحدانيّته. (يُفَصِّلُ الْآياتِ) : قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : «يفصّل» بالياء. وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ وأبو بكر عن عاصم : «نفصّل الآيات» بالنّون ، والمعنى : نبيّنها. (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) : يستدلّون بالأمارات على قدرته.
قوله تعالى : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) فيه قولان : أحدهما : يتّقون الشّرك. والثاني : عقوبة الله تعالى. فيكون المعنى : إنّ الآيات لمن لم يحمله هواه على خلاف ما وضح له من الحقّ.
قوله تعالى : (لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) قال ابن عباس : لا يخافون البعث. (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) : اختاروا ما فيها على الآخرة (وَاطْمَأَنُّوا بِها) : آثروها. وقال غيره : ركنوا إليها ، لأنهم لا يؤمنون بالآخرة (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) فيها قولان : أحدهما : أنها آيات القرآن ومحمّد صلىاللهعليهوسلم ، قاله ابن عباس. والثاني : ما ذكره في أوّل السّورة من صنعه ، قاله مقاتل. فأمّا قوله تعالى : (غافِلُونَ) فقال ابن عباس : مكذّبون. وقال غيره : معرضون. قال ابن زيد : وهؤلاء هم الكفّار.
قوله تعالى : (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) قال مقاتل : من الكفر والتّكذيب.
قوله تعالى : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) فيه أربعة أقوال : أحدها : يهديهم إلى الجنّة ثوابا بإيمانهم.
والثاني : يجعل لهم نورا يمشون به بإيمانهم. والثالث : يزيدهم هدى بإيمانهم. والرابع : يثيبهم بإيمانهم ، فأمّا الهداية فقد سبقت لهم.
قوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) أي : تجري بين أيديهم وهم يرونها من علو.
قوله تعالى : (دَعْواهُمْ فِيها) أي : دعاؤهم. وقد شرحنا ذلك في أوّل الأعراف (١). وفي المراد بهذا الدّعاء قولان : أحدهما : أنه استدعاؤهم ما يشتهون. قال ابن عباس : كلّما اشتهى أهل الجنّة شيئا ، قالوا : (سُبْحانَكَ اللهُمَ) فيأتيهم ما يشتهون ، فإذا طعموا ، قالوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فذلك آخر دعواهم. وقال ابن جريج : إذا مرّ بهم الطّير يشتهونه قالوا : (سُبْحانَكَ اللهُمَ) فيأتيهم الملك بما اشتهوا ، فيسلم عليهم فيردّون عليه : فذلك قوله : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ). فإذا أكلوا حمدوا ربّهم فذلك قوله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). والثاني : أنهم إذا أرادوا الرّغبة إلى الله تعالى في دعاء يدعونه به قالوا : (سبحانك اللهمّ) ، قاله قتادة.
قوله تعالى : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنها تحيّة بعضهم لبعض وتحيّة الملائكة لهم ، قاله ابن عباس. والثاني : أنّ الله تعالى يحيّيهم بالسّلام. والثالث : أنّ التّحية : الملك ، فالمعنى : ملكهم فيها سالم ، ذكرهما الماوردي.
قوله تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ) أي : دعاؤهم. وقولهم : (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) قرأ أبو مجلز ، وعكرمة ، ومجاهد ، وابن يعمر ، وقتادة ، ويعقوب : «أنّ الحمد لله» بتشديد النون ونصب الدّال. قال الزّجّاج : أعلم الله أنهم يبتدئون بتعظيم الله وتنزيهه ، ويختمون بشكره والثناء عليه. وقال ابن كيسان : يفتتحون كلامهم بالتّوحيد ، ويختمونه بالتّوحيد (٢).
__________________
(١) في الأعراف : ٥.
(٢) قال القرطبي رحمهالله في «الجامع لأحكام القرآن» ٨ / ٢٨٥ : يستحب للداعي أن يقول في آخر دعائه كما قال