قوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) أي : مصيركم يوم القيامة. (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) قال الزّجّاج : «وعد الله» منصوب على معنى : وعدكم الله وعدا ، لأنّ قوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) معناه : الوعد بالرّجوع ، و «حقا» منصوب على : أحقّ ذلك حقّا. قوله تعالى : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) قرأه الأكثرون بكسر الألف. وقرأت عائشة ، وأبو رزين ، وعكرمة ، وأبو العالية ، والأعمش «أنه» بفتحها. قال الزّجّاج : من كسر ، فعلى الاستئناف ، ومن فتح ، فالمعنى : إليه مرجعكم ، لأنه يبدأ الخلق. قال مقاتل : يبدأ الخلق ولم يكن شيئا ، ثم يعيده بعد الموت. فأمّا «القسط» فهو العدل.
فإن قيل : كيف خصّ جزاء المؤمنين بالعدل ، وهو في جزاء الكافرين عادل أيضا؟
فالجواب : أنه لو جمع الفريقين في القسط ، لم يتبيّن في حال اجتماعهما ما يقع بالكافرين من العذاب الأليم والشّرب من الحميم ، ففصلهم من المؤمنين ليبيّن ما يجزيهم به ممّا هو عدل أيضا. ذكره ابن الأنباري.
فأمّا الحميم : فهو الماء الحارّ ، وقال أبو عبيدة : كلّ حارّ فهو حميم.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠))
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) قرأ الأكثرون : «ضياء» بهمزة واحدة ، وقرأ ابن كثير : «ضئاء» بهمزتين في كلّ القرآن ، أي : ذات ضياء. (وَالْقَمَرَ نُوراً) أي : ذا نور. (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) أي : قدّر له ، فحذف الجارّ ، والمعنى : هيّأ ويسّر له منازل. قال الزّجّاج : الهاء ترجع إلى «القمر» : لأنه المقدّر لعلم السّنين والحساب. وقد يجوز أن يعود إلى الشّمس والقمر ، فحذف أحدهما اختصارا. وقال الفرّاء : إن شئت جعلت تقدير المنازل للقمر خاصة ، لأنّ به تعلم الشّهور ، وإن شئت جعلت التّقدير لهما ، فاكتفي بذكر أحدهما من صاحبه ، كقوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (١). قال ابن قتيبة : منازل القمر ثمانية وعشرون منزلا من أوّل الشّهر إلى ثماني وعشرين ليلة ، ثم يستسرّ. وهذه المنازل ، هي النّجوم التي كانت العرب تنسب إليها الأنواء ، وأسماؤها عندهم : الشّرطان ، والبطين ، والثّريّا ، والدّبران ، والهقعة ، والهنعة ، والذّراع ، والنّثرة ، والطّرف ، والجبهة ، والزّبرة ، والصّرفة ، والعوّاء ، والسّماك ، والغفر ، والزّبانى ، والإكليل ، والقلب ، والشّولة ، والنّعائم ، والبلدة ، وسعد الذّابح ، وسعد بلع ، وسعد السّعود ، وسعد الأخبية ، وفرغ الدّلو المقدّم ، وفرغ الدّلو المؤخّر ، والرّشاء وهو الحوت.
__________________
(١) سورة التوبة : ٦٢.