يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) من المؤمنين إن قمتم؟ فإن لم يرهم أحد خرجوا من المسجد.
قال الزّجّاج : كأنّهم يقولون ذلك إيماء لئلّا يعلم بهم أحد ، (ثُمَّ انْصَرَفُوا) عن المكان ، وجائز عن العمل بما يسمعون. وقال الحسن : ثم انصرفوا على عزم التّكذيب بمحمّد صلىاللهعليهوسلم وبما جاء به. قوله تعالى : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) قال ابن عباس : عن الإيمان. وقال الزّجّاج : أضلّهم مجازاة على فعلهم.
(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨))
قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) قرأ الجمهور بضمّ الفاء. وقرأ ابن عباس ، وأبو العالية ، والضّحّاك ، وابن محيصن. ومحبوب عن أبي عمرو : بفتحها. وفي المضمومة أربعة أقوال : أحدها : من جميع العرب ، قاله ابن عباس ؛ وقال : ليس في العرب قبيلة إلّا وقد ولدت رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والثاني : ممّن تعرفون ، قاله قتادة. والثالث : من نكاح لم يصبه شيء من ولادة الجاهليّة ، قاله جعفر الصّادق. والرابع : بشر مثلكم ، فهو آكد للحجّة ، لأنّكم تفقهون عمّن هو مثلكم ، قاله الزّجّاج. وفي المفتوحة ثلاثة أقوال : أحدها : أفضلكم خلقا. والثاني : أشرفكم نسبا. والثالث : أكثركم طاعة لله عزوجل. قوله تعالى : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) فيه قولان : أحدهما : شديد عليه ما شقّ عليكم ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس. قال الزّجّاج : شديد عليه عنتكم. والعنت : لقاء الشّدّة. والثاني : شديد عليه ما آثمكم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. قوله تعالى : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) قال ابن عباس : سمّاه باسمين من أسمائه. وقال أبو عبيدة : «رؤوف» فعول ، من الرّأفة ، وهي أرقّ من الرّحمة ؛ ويقال : «رؤف» ، وأنشد :
ترى للمؤمنين عليك حقّا |
|
كفعل الوالد الرّؤف الرّحيم (١) |
وقيل : رؤوف بالمطيعين ، رحيم بالمذنبين.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩))
قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي : أعرضوا عن الإيمان (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ) أي : يكفيني (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ). وقرأ ابن محيصن : «العظيم» برفع الميم. وإنّما خصّ العرش بالذّكر ، لأنّه الأعظم ، فيدخل فيه الأصغر.
(٧٧٦) قال أبيّ بن كعب : آخر آية أنزلت : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ) إلى آخر السّورة.
____________________________________
(٧٧٦) أخرجه أحمد ٥ / ١١٧ والطبري ١٧٥٢٩ و ١٧٥٣٠ ورواه الطبراني في الكبير ٥٣٣ عن أبي بن كعب ، وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٣٦. وقال : رواه عبد الله بن أحمد والطبراني ، وفيه علي بن زيد بن جدعان ، وهو ثقة سيء الحفظ وبقية رجاله ثقات.
__________________
(١) البيت منسوب لجرير : ديوانه : ٥٠٨ ، و «اللسان» رأف.