يلونه من الأعداء ليكون ذلك أهيب له ، فأمر بقتال من يليه ليستنّ بذلك. وفي الغلظة ثلاث لغات : غلظة ، بكسر الغين ؛ وبها قرأ الأكثرون. وغلظة ، بفتح الغين ، رواها جبلة عن عاصم ، وغلظة ، بضمّ الغين ، رواها المفضّل عن عاصم ، ومثلها : جذوة وجذوة وجذوة ، ووجنة ووجنة ووجنة ، ورغوة ورغوة ورغوة ، وربوة وربوة وربوة ، وقسوة وقسوة وقسوة ، وإلوة وألوة وألوة ، في اليمين. وشاة لجبة ولجبة ولجبة : قد ولّى لبنها. قال ابن عباس في قوله «غلظة» : شجاعة. وقال مجاهد : شدّة.
قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) هذا قول المنافقين بعضهم لبعض استهزاء بقول الله تعالى. (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) لأنهم إذا صدّقوا بها وعملوا بما فيها ، زادتهم إيمانا (وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) أي : يفرحون بنزولها (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي : شكّ ونفاق. وفي المراد بالرّجس ثلاثة أقوال : أحدها : الشّكّ ، قاله ابن عباس. والثاني : الإثم ، قاله مقاتل. والثالث : الكفر ، لأنهم كلّما كفروا بسورة زاد كفرهم ، قاله الزّجّاج. قوله تعالى : (أَوَلا يَرَوْنَ) يعني المنافقين. وقرأ حمزة : «أولا ترون» بالتاء على الخطاب للمؤمنين. وفي معنى (يُفْتَنُونَ) ثمانية أقوال (١). أحدها : يكذبون كذبة أو كذبتين يضلّون بها ، قاله حذيفة بن اليمان. والثاني : ينافقون ثم يؤمنون ثم ينافقون ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثالث : يبتلون بالغزو في سبيل الله ، قاله الحسن ، وقتادة. والرابع : يفتنون بالسّنة والجوع ، قاله مجاهد. والخامس : بالأوجاع والأمراض ، قاله عطيّة. والسادس : ينقضون عهدهم مرّة أو مرّتين ، قاله يمان. والسابع : يكافرون ، وذلك أنهم كانوا إذا أخبرهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم بما تكلّموا به إذ خلوا ، علموا أنّه نبيّ ، ثم يأتيهم الشّيطان فيقول : إنّما بلغه هذا عنكم ، فيشركون ، قاله مقاتل بن سليمان. والثامن : يفضحون بإظهار نفاقهم ، قاله مقاتل بن حيّان.
قوله تعالى : (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) أي من نفاقهم (وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي يعتبرون ويتّعظون.
(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧))
قوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ).
(٧٧٥) قال ابن عباس : كانت إذا أنزلت سورة فيها عيب المنافقين ، وخطبهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعرّض بهم في خطبته ، شقّ ذلك عليهم ونظر بعضهم إلى بعض يريدون الهرب يقولون : (هَلْ
____________________________________
(٧٧٥) عزاه المصنف لابن عباس ، ولم أقف عليه.
__________________
(١) قال الطبري في «تفسيره» ٦ / ٥٢٠ ـ ٥٢١ : وأولى الأقوال في كذلك بالصحة أن يقال : إن الله عجب عباده المؤمنين من هؤلاء المنافقين ، ووبّخ المنافقين في أنفسهم بقلة تذكرهم. وسوء تنبههم لمواعظ الله التي يعظهم بها ، وجائز أن تكون تلك المواعظ الشدائد التي ينزلها بهم من الجوع والقحط ، وجائز أن تكون ما يريهم من نصرة رسوله على أهل الكفر به ، ويرزقه من إظهار كلمته على كلمتهم ، وجائز أن تكون ما يظهر للمسلمين من نفاقهم وخبث سرائرهم بركونهم إلى ما يسمعون من أراجيف المشركين برسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، ولا خبر يوجب صحة بعض ذلك دون بعض من الوجه الذي يجب التسليم له ، ولا قول في ذلك أولى بالصواب من التسليم لظاهر قول الله وهو : أو لا يرون أنهم يختبرون في كل عام مرة أو مرتين ، بما يكون زاجرا لهم ، ثم لا ينزجرون ولا يتعظون؟