(لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨))
قوله تعالى : (لا تَقُمْ فِيهِ) أي : لا تصلّ فيه أبدا. (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى) أي : بني على الطاعة ، وبناه المتّقون (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) أي : منذ أول يوم. قال الزّجّاج : «من» في الزّمان ، والأصل : منذ ومذ ، وهو الأكثر في الاستعمال. وجائز دخول «من» لأنّها الأصل في ابتداء الغاية والتّبعيض ، ومثله قول زهير :
لمن الدّيار بقنّة الحجر |
|
أقوين من حجج ومن شهر (١) |
وقيل معناه : من مرّ حجج ومن مر شهر. وفي هذا المسجد ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة الذي فيه منبره وقبره.
(٧٥٦) روى سهل بن سعد أنّ رجلين اختلفا في عهد رسول الله في المسجد الذي أسّس على التّقوى ، فقال أحدهما : هو مسجد الرّسول ، وقال الآخر : هو مسجد قباء ، فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال «هو مسجدي هذا» ؛ وبه قال ابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وأبو سعيد الخدريّ ، وسعيد بن المسيّب.
(٧٥٧) والثاني : أنه مسجد قباء ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ،
____________________________________
(٧٥٦) صحيح. أخرجه الترمذي ٣٠٩٩ والنسائي ٢ / ٣٦ وفي «التفسير» ٢٤٨ وأحمد ٣ / ٨ وابن حبان ١٦٠٦ من طرق عن الليث بن سعد عن عمران بن أبي أنس عن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه به. وأخرجه مسلم ١٣٩٨ وابن أبي شيبة ٢ / ٣٧٢ والحاكم ٢ / ٣٣٤ من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه. وكرره مسلم ١٣٩٨ وابن أبي شيبة ٢ / ٣٧٢ عن أبي سلمة عن أبي سعيد بدون واسطة. وأبو سلمة سمع من أبي سعيد. وأخرجه الترمذي ٣٢٣ وابن أبي شيبة ٢ / ٣٧٢ وأحمد ٣ / ٢٣ ـ ٩١ والطبري ١٧٢٣٦ و ١٧٢٣٧ و ١٧٢٣٨ وابن حبان ١٦٢٦ من طرق عن أنيس بن أبي يحيى حدثني أبي قال سمعت أبا سعيد ... فذكره وآخره «هو مسجدي هذا ، وفي كل خير». فهذه الطرق متعاضدة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم أن المراد بذلك مسجده. وله شاهد من حديث سهل بن سعد ، أخرجه أحمد ٥ / ٣٣١ وابن حبان ١٦٠٤ و ١٦٠٥ والطبري ١٧٢٣٢ و ١٧٢٣٣ والحاكم ٢ / ٣٣٤ والطبراني ٦٠٢٥ ، ورجاله ثقات. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي. وله شاهد من حديث زيد بن ثابت ، أخرجه الطبراني ٤٨٥٤ وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن عامر ، والصحيح موقوف. والموقوف أخرجه الطبراني ٤٨٢٨ و ٤٨٥٣ وإسناده الأول على شرط الصحيح كما قال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٣٤. قال الطبري رحمهالله بإثر الحديث ١٧٢٣١ : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال هو مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم لصحة الخبر بذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. انظر «تفسير أحكام القرآن» ١٢١٣ بتخريجنا.
(٧٥٧) ورد عن ابن عباس ، أخرجه الطبري ١٧٢٢٦ وفيه إرسال بين علي بن أبي طلحة وابن عباس. وأخرجه من وجه آخر ١٧٢٢٧ بسند فيه مجاهيل. وورد عن عطية العوفي أخرجه برقم ١٧٢٢٨. وورد عن ابن بريدة ، أخرجه برقم ١٧٢٢٩. وورد من مرسل عروة ، أخرجه برقم ١٧٢٣١. الخلاصة : هذه الروايات وإن تعددت ، لا تقوى على معارضة الصحيح المتقدم. على أن للمتقدم شواهد ، والله أعلم.
__________________
(١) البيت منسوب لزهير في ديوانه ٨٦. قوله من شهر : أراد به من شهور وأقوين : خلون. والقنة : أعلى الجبل ، أو هي الجبل الذي ليس بمنتشر.