وفي هذه الصّدقة قولان (١) : أحدهما : أنها الصّدقة التي بذلوها تطوّعا ، قاله ابن زيد ، والجمهور. والثاني : الزّكاة ، قاله عكرمة.
قوله تعالى : (تُطَهِّرُهُمْ) وقرأ الحسن «تطهرهم بها» بجزم الراء. قال الزّجّاج : يصلح أن يكون قوله : «تطهرهم» نعتا للصّدقة كأنّه قال : خذ من أموالهم صدقة مطهّرة. والأجود أن يكون للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، المعنى : فإنك تطهّرهم بها ف «تطهرهم» بالجزم ، على جواب الأمر ، المعنى : إن تأخذ من أموالهم ، تطهّرهم. ولا يجوز في : «تزكّيهم» إلّا إثبات الياء. اتّباعا للمصحف. قال ابن عباس : «تطهرهم» من الذّنوب ، «وتزكيهم» : تصلحهم. وفي قوله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) قولان : أحدهما : استغفر لهم ، قاله ابن عباس. والثاني : ادع لهم ، قاله السّدّيّ.
قوله تعالى : (إِنَّ صَلاتَكَ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم «إن صلواتك» على الجمع. وقرأ حمزة والكسائيّ ، وحفص عن عاصم «إن صلاتك» على التّوحيد. وفي قوله تعالى : (سَكَنٌ لَهُمْ) خمسة أقوال : أحدها : طمأنينة لهم أنّ الله قد قبل منهم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وقال أبو عبيدة : تثبيت وسكون. والثاني : رحمة لهم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث : قربة لهم ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس. والرابع : وقار لهم ، قاله قتادة. والخامس : تزكية لهم ، حكاه الثّعلبيّ. قال الحسن وقتادة : وهؤلاء سوى الثلاثة الذين خلّفوا.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥))
قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ) قرأ الجمهور «يعلموا» بالياء. وروى عبد الوارث «تعلموا» بالتاء. وقوله تعالى : (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) قال أبو عبيدة : أي : من عبيده ، تقول : أخذته منك ، وأخذته عنك. وقوله تعالى : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) قال ابن قتيبة : أي : يقبلها. ومثله : (خُذِ الْعَفْوَ) (٢) أي : اقبله.
__________________
(١) قال القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» ٨ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤ : اختلف في هذه الصدقة المأمور بها فقيل : هي صدقة الفرض ، قاله جويبر عن ابن عباس وهو قول عكرمة فيما ذكر القشيري. وقيل هو مخصوص بمن نزلت فيه ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم أخذ منهم ثلث أموالهم وليس هذا من الزكاة المفروضة في شيء. ولهذا قال مالك : إذا تصدق الرجل بجميع ماله أجزأه إخراج الثلث متمسكا بحديث أبي لبابة.
وعلى القول الأول فهو خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم يقتضي بظاهره اقتصاره عليه فلا يأخذ الصدقة سواه ، ويلزم على هذا سقوطها بسقوطه وزوالها بموته. وبهذا تعلق مانعو الزكاة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقالوا : إنه كان يعطينا عوضا منها التطهير والتزكية والصلاة علينا وقد عدمناها من غيره. وأما قولهم إن هذا خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم فلا يلتحق به غيره فهو كلام جاهل بالقرآن غافل عن مأخذ الشريعة متلاعب بالدين ، فإن الخطاب من القرآن لم يرد بابا واحدا ولكن اختلفت موارده على وجوه. وقوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) مطلق غير مقيد بشرط في المأخوذ والمأخوذ منه ولا تبيين مقدار المأخوذ ولا المأخوذ منه ، وإنما بيان ذلك في السنة والإجماع حسب ما تذكره فتؤخذ الزكاة من جميع الأموال ا. ه.
(٢) سورة الأعراف : ١٩٩.