وعقدها فعل ، وأنّه من أتى محمّدا منهم بغير إذن وليّه ردّه إليه ، وأنه من أتى قريشا من أصحاب محمّد لم يردّوه ، وأنّ محمّدا يرجع عنّا عامه هذا بأصحابه ، ويدخل علينا في قابل في أصحابه ، فيقيم بها ثلاثا لا يدخل علينا بسلاح ، إلّا سلاح المسافر ، السّيوف في القرب» ، فوثبت خزاعة فقالوا : نحن ندخل في عهد محمّد وعقده ، ووثبت بنو بكر فقالوا : نحن ندخل في عهد قريش وعقدها. ثم إنّ قريشا أعانت بني بكر على خزاعة بالرجال والسلاح فبيّتوا خزاعة ليلا ، فقتلوا منهم عشرين رجلا. ثم إنّ قريشا ندمت على ما صنعت ، وعلموا أنّ هذا نقض للعهد والمدّة التي بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وخرج قوم من خزاعة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبروه بما أصابهم ، فخرج إليهم وكانت غزاة الفتح. قال أبو عبيدة : الإسلال : السّرقة ، والإغلال : الخيانة. قال ابن الأعرابي : وقوله : «وأنّ بيننا عيبة مكفوفة» مثل ، أراد : إنّ صلحنا محكم مستوثق منه ، كأنه عيبة مشرجة. وزعم بعض المفسّرين أنّ قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) نسخ بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ).
(كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨))
قوله تعالى : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) قال الزّجّاج : المعنى : كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم ، فحذف ذلك ، لأنه قد سبق ، قال الشاعر :
وخبّرتماني أنّما الموت بالقرى |
|
فكيف وهذي هضبة وقليب (١) |
أي فكيف مات وليس بقرية؟ ومثله قول الحطيئة :
فكيف ولم أعلمهم خذلوكم |
|
على معظم ولا أديمكم قدّوا (٢) |
أي : فكيف تلومونني على مدح قوم؟ واستغنى عن ذكر ذلك ، لأنه قد جرى في القصيدة ما يدلّ على ما أضمر. وقوله تعالى : (يَظْهَرُوا) يعني : يقدروا ويظفروا.
وفي قوله تعالى : (لا يَرْقُبُوا) ثلاثة أقوال : أحدها : لا يحفظوا ، قاله ابن عباس. والثاني : لا يخافوا ، قاله السّدّيّ. والثالث : لا يراعوا ، قاله قطرب.
وفي الإلّ خمسة أقوال (٣) : أحدها : أنه القرابة ، رواه جماعة عن ابن عباس ، وبه قال الضّحّاك ، والسّدّيّ ، ومقاتل ، والفرّاء ، وأنشدوا :
إنّ الوشاة كثير إن أطعتهم |
|
لا يرقبون بنا إلّا ولا ذمما |
وقال الآخر :
__________________
(١) البيت لكعب بن سعد الغنوي من مرثيته الشهيرة في «الأصمعيات» ٩٩.
(٢) البيت للحطيئة ، ديوانه : ١٤٠ وقوله خذلوكم على معظم أي : لم يخذلوكم في أمر حدث ، وقوله : ولا أديمكم قدّوا ، أي : لم يقعوا في حبكم.
(٣) قال ابن كثير في «تفسيره» ٢ / ٤٢٠ : الصواب قول من قال إلّا : الله عزوجل. هذا القول هو الأشهر والأظهر وعليه الأكثر اه.