فصل : وفي سبب امتناعهم من كتابة التّسمية في أوّلها ثلاثة أقوال :
(٦٦٣) أحدها : رواه ابن عباس ، قال : قلت لعثمان بن عفّان : ما حملكم على أن عمدتم إلى (الأنفال) وهي من المثاني ، وإلى (براءة) وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما «بسم الله الرّحمن الرّحيم»؟ فقال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أنزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب ، فيقول : «ضعوا هذا في السّورة التي يذكر فيها كذا وكذا» ، وكانت (الأنفال) من أوائل ما نزل بالمدينة ، و (براءة) من آخر القرآن ، وكانت قصّتها شبيهة بقصّتها ؛ وقبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يبيّن لنا أنّها منها ، فظننّا أنّها منها ؛ فمن ثمّ قرنت بينهما ولم أكتب بينهما : «بسم الله الرّحمن الرّحيم». وذكر نحو هذا المعنى عن أبيّ بن كعب. قال الزّجّاج : والشّبه الذي بينهما ، أنّ في (الأنفال) ذكر العهود ، وفي (براءة) نقضها. وكان قتادة يقول : هما سورة واحدة.
والثاني : رواه محمّد ابن الحنفيّة ، قال : قلت لأبي : لم لم تكتبوا في (براءة) «بسم الله الرّحمن الرّحيم»؟ فقال : يا بنيّ ، إنّ (براءة) نزلت بالسّيف ، وإنّ «بسم الله الرّحمن الرّحيم» أمان. وسئل سفيان بن عيينة عن هذا ، فقال : لأنّ التّسمية رحمة ، والرّحمة أمان ، وهذه السّورة نزلت في المنافقين. والثالث : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لمّا كتب في صلح الحديبية «بسم الله الرّحمن الرّحيم» ، لم يقبلوها وردّوها ، فما ردّها الله عليهم (١) ، قاله عبد العزيز بن يحيى المكّيّ.
فصل : فأمّا سبب نزولها.
(٦٦٤) فقال المفسّرون : أخذت العرب تنقض عهودا بنتها مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأمره الله تعالى بإلقاء عهودهم إليهم ، فأنزل براءة في سنة تسع ، فبعث رسول الله أبا بكر أميرا على الموسم ليقيم للناس
____________________________________
(٦٦٣) ضعيف ، أخرجه أبو داود ٧٨٦ و ٧٨٧ والترمذي ٣٠٨٦ والنسائي في «الكبرى» ٨٠٠٧ وابن حبان ٤٣ والحاكم ٢ / ٢٢١ وابن أبي داود في «المصاحف» ص ٣٩ والبغوي ١٠٢٨ ـ بترقيمي ـ والبيهقي في «السنن» ٢ / ٤٢ و «الدلائل» ٧ / ١٥٢ ـ ١٥٣ من طرق عن عوف بن أبي جميلة عن يزيد الفارسي عن ابن عباس به.
وإسناده ضعيف. مداره على يزيد الفارسي. قال عنه الحافظ في «التقريب» : مقبول. أي حيث يتابع ، ولم يتابع على هذا الحديث. وقال العلامة أحمد شاكر في «تخريج المسند» ٣٩٩ ما ملخصه : إنه لا أصل له لأمور : أولها جهالة يزيد الفارسي حيث تفرد به. ثانيها : فيه تشكيك في معرفة سور القرآن الثابتة بالتواتر القطعي.
ثالثها : فيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور ، كأن عثمان ـ كان يثبتها برأيه وينفيها برأيه ، وحاشاه من ذلك. فلا علينا إذا قلنا : إنه حديث لا أصل له. ونقل كلامه الشيخ شعيب في «الإحسان» ١ / ٢٣٢ ووافقه.
وذكره الألباني في «ضعيف أبي داود» ٧٨٦ و ٧٨٧. وأما الحاكم فقال : صحيح على شرط الشيخين! ووافقه الذهبي! وقال الترمذي : حديث حسن وانظر «أحكام القرآن» لابن العربي ١٠٧٥ و ١٠٢٨ و «تفسير الشوكاني» ١٠٧٥ بتخريجنا.
(٦٦٤) ذكره ابن هشام في «السيرة» ٤ / ١٤٥ ـ ١٤٦ بأتم منه عن ابن إسحاق وهذا معضل. وورد من مرسل السدي ، أخرجه الطبري ١٦٣٩٢. وورد من مرسل أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ، أخرجه الطبري ١٦٣٩١ بنحوه. فهذه الروايات مرسلة لا تقوم بها حجة ، فإن الصحيح أن أبا بكر أتبع بعلي من دون أن يرجع أبو بكر.
وانظر «أحكام القرآن» ١٠٨٤ بتخريجنا.
__________________
(١) لا يصح هذا السبب : وهو رأي لعبد العزيز ، وليس بشيء وحديث صلح الحديبية متفق عليه. وتقدم.