(٦٥٧) وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أسلم مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم تسعة وثلاثون ، ثم أسلم عمر فصاروا أربعين ، فنزلت هذه الآية. قال أبو سليمان الدّمشقي : وهذا لا يحفظ ، والسّورة مدنيّة بإجماع ، والقول الأوّل أصحّ.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦))
قوله تعالى : (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) قال الزّجّاج : تأويله : حثّهم. وتأويل التّحريض في اللغة : أن يحثّ الإنسان على الشيء حثّا يعلم معه أنه حارض إن تخلّف عنه. والحارض : الذي قد قارب الهلاك. قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) لفظ هذا الكلام لفظ الخبر ، ومعناه الأمر ، والمراد : يقاتلوا مائتين ، وكان هذا فرضا في أوّل الأمر ، ثم نسخ بقوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) ففرض على الرجل أن يثبت لرجلين ، فإن زادوا جاز له الفرار. قال مجاهد : وهذا التّشديد كان في يوم بدر. واتّفق القرّاء على قوله (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ) فقرؤوا «يكن» بالياء واختلفوا في قوله تعالى : (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً) ، وفي قوله تعالى : (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ) فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر : بالتاء فيهما. وقرأهما عاصم ، وحمزة ، والكسائيّ : بالياء. وقرأ أبو عمرو «يكن منكم مائة يغلبوا» بالياء ، «فإن تكن منكم مائة صابرة» بالتاء. قال الزّجّاج : من أنّث ، فللفظ المائة ؛ ومن ذكّر ، فلأنّ المائة وقعت على عدد مذكّر. وقال أبو عليّ : من قرأ بالياء ، فلأنّه أريد منه المذكّر ، بدليل قوله تعالى : «يغلبوا» ، وكذلك المائة الصّابرة هم رجال ، فقرؤوها بالياء ، لموضع التّذكير. فأما أبو عمرو ، فإنه لمّا رأى صفة المائة مؤنّثة بقوله تعالى : «صابرة» أنّث الفعل ، ولمّا رأى «يغلبوا» مذكّرا ، ذكّر. ومعنى الكلام : إن يكن منكم عشرون صابرون يثبتون عند اللقاء ، يغلبوا مائتين ، لأنّ المؤمنين يحتسبون أفعالهم ، وأهل الشّرك يقاتلون على غير احتساب ولا طلب ثواب ، فإذا صدقهم المؤمنون القتال لم يثبتوا ؛ وذلك معنى قوله تعالى : (لا يَفْقَهُونَ).
قوله تعالى : (وَعَلِمَ) وروى المفضّل «وعلم» بضمّ العين «أن فيكم ضعفا» وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائيّ بضمّ الضاد. وقرأ عاصم ، وحمزة : بفتح الضاد. وكذلك خلافهم في (الرّوم) (١). قال الفرّاء : الضمّ لغة قريش ، والفتح لغة تميم. قال الزّجّاج : والمعنى في القراءتين واحد ،
____________________________________
(٦٥٧) باطل لا أصل له. أخرجه الطبراني في «الكبير» ١٢٤٧٠ ، والواحدي في «أسباب النزول» ٤٨٤. وفيه إسحاق بن بشر الكاهلي ، وهو كذاب. وكذا قال الهيثمي في «المجمع» ١١٠٣٢ ثم إن السورة مدنية والخبر مكي؟!! وذكره ابن كثير ٢ / ٤٠٣ وقال : وفي هذا نظر لأن هذه الآية مدنية ، وإسلام عمر كان بمكة بعد الهجرة إلى أرض الحبشة وقبل الهجرة إلى المدينة والله أعلم ا. ه.
__________________
(١) سورة الروم : ٥٥.