(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥))
قوله تعالى : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال أبو صالح عن ابن عباس : نزلت في بني قريظة من اليهود ، منهم كعب بن الأشرف وأصحابه.
(الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦))
قوله تعالى : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ) في «من» أربعة أقوال : أحدها : أنّها صلة ؛ والمعنى : الذين عاهدتهم. والثاني : أنّها للتّبعيض ، فالمعنى : إنّ شرّ الدّواب الكفّار. وشرّهم الذين عاهدت ونقضوا. والثالث : أنّها بمعنى «مع» ؛ والمعنى : عاهدت معهم. والرابع : أنّها دخلت ، لأنّ العهد أخذ منهم. قوله تعالى : (ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) أي : كلّما عاهدتهم نقضوا.
وفي قوله تعالى : (وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) قولان : أحدهما : لا يتّقون نقض العهد. والثاني : لا يتّقون الله في نقض العهد. قال المفسّرون :
(٦٥٤) كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد عاهد يهود قريظة أن لا يحاربوه ولا يعاونوا عليه ، فنقضوا العهد وأعانوا عليه مشركي مكّة بالسّلاح ، ثم قالوا : نسينا وأخطأنا ؛ ثمّ عاهدوه الثانية ، فنقضوا ومالؤوا الكفّار يوم الخندق ، وكتب كعب بن الأشرف إلى مكّة يوافقهم على مخالفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧))
قوله تعالى : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ) قال أبو عبيدة : مجازه : فإن تثقفنّهم. فعلى قوله ، تكون «ما» زائدة. وقد سبق بيان «فإما» في (البقرة) (١). قال ابن قتيبة : فمعنى «تثقفنّهم» تظفر بهم. (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أي : افعل بهم فعلا من العقوبة والتّنكيل يتفرّق به من وراءهم من أعدائك. قال : ويقال : شرّد بهم ، أي : سمّع بهم ، بلغة قريش. قال الشاعر :
أطوّف في الأباطح كلّ يوم |
|
مخافة أن يشرّد بي حكيم (٢) |
وقال ابن عباس : نكّل بهم تنكيلا يشرّد غيرهم من ناقضي العهد ، لعلّهم يذكرون النّكال فلا ينقضون العهد.
(وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨))
قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) قال المفسّرون : الخوف ها هنا بمعنى العلم ، والمعنى : إن علمت من قوم قد عاهدتهم خيانة ، وهي نقض عهد. وقال مجاهد : نزلت في بني قريظة.
____________________________________
(٦٥٤) لم أره بهذا اللفظ. وأخرجه الطبري ١٦٢٢٥ عن مجاهد مرسلا بنحوه.
__________________
(١) سورة البقرة : ٣٨.
(٢) البيت غير منسوب في «اللسان» شرد. وحكيم رجل من بني سليم كانت قريش ولته الأخذ على أيدي السفهاء.