بعدهم ؛ تقول العرب : بنو فلان مردوفونا ، أي : هم يجيئون بعدنا. قال أبو عبيدة : مردفين : جاءوا بعد. وقرأ نافع ، وأبو بكر عن عاصم : «مردفين» بفتح الدال. قال الفرّاء : أراد : فعل ذلك بهم ، أي : إنّ الله أردف المسلمين بهم. وقرأ معاذ القارئ ، وأبو المتوكّل النّاجي ، وأبو مجلز : «مردّفين» بفتح الراء والدال مع التشديد. وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران : «مردّفين» برفع الراء وكسر الدال. وقال الزّجّاج : يقال : ردفت الرجل : إذا ركبت خلفه ، وأردفته : إذا أركبته خلفي. ويقال : هذه دابّة لا ترادف ، ولا يقال : لا تردف. ويقال : أردفت الرجل : إذا جئت بعده. فمعنى «مردفين» يأتون فرقة بعد فرقة. ويجوز في اللغة : مردّفين ومردّفين ومردّفين ، فالدال مكسورة مشدّدة على كلّ حال ، والراء يجوز فيها الفتح والضّمّ والكسر. قال سيبويه : الأصل مرتدفين ، فأدغمت التاء في الدال فصارت مردّفين لأنك طرحت حركة التاء على الراء ؛ وإن شئت لم تطرح حركة التاء ، وكسرت الراء لالتقاء السّاكنين. والذين ضمّوا الراء ، جعلوها تابعة لضمّة الميم. وقد سبق في (آل عمران) (١) تفسير قوله تعالى : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى) ، وكان مجاهد يقول : ما أمدّ الله النبيّ صلىاللهعليهوسلم بأكثر من هذه الألف التي ذكرت في سورة (الأنفال) (٢) وما ذكر الثلاثة والخمسة إلّا بشرى ، ولم يمدّوا بها ؛ والجمهور على خلافه ، وقد ذكرنا اختلافهم في عدد الملائكة في سورة (آل عمران) (٣).
(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١))
قوله تعالى : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ) قال الزّجّاج : «إذ» موضعها نصب على معنى : وما جعله الله إلّا بشرى ، في ذلك الوقت ، ويجوز أن يكون المعنى : أذكروا إذ يغشاكم النّعاس. قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : «إذ يغشاكم» بفتح الياء وجزم الغين وفتح الشين وألف ، «النعاس» بالرّفع. وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «يغشّيكم» بضمّ الياء وفتح الغين مشدّدة الشين مكسورة ، «النعاس» بالنّصب. وقرأ نافع : «يغشيكم» بضمّ الياء وجزم الغين وكسر الشين «النعاس» بالنّصب. وقال أبو سليمان الدّمشقي : الكلام راجع على قوله تعالى : (وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ) إذ يغشاكم النّعاس. قال الزّجّاج : و «أمنة» منصوب : مفعول له ، كقولك : فعلت ذلك حذر الشرّ. يقال : أمنت آمن أمنا وأمانا وأمنة. وقرأ أبو عبد الرّحمن السّلمي ، وأبو المتوكّل ، وأبو العالية ، وابن يعمر ، وابن محيصن : «أمنة منه» بسكون الميم.
قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً).
(٦١٦) قال ابن عباس : نزل النبيّ صلىاللهعليهوسلم يوم بدر ، وبينه وبين الماء رملة ، وغلبهم المشركون على
____________________________________
(٦١٦) ورد من وجوه تتأيد بمجموعها. أخرجه الطبري ١٥٧٨٣ عن ابن عباس ، وإسناده ضعيف. فيه علي بن أبي طلحة لم يسمع ابن عباس. وأخرجه أيضا ١٥٧٨٢ عن قتادة مرسلا بنحوه. وكرره ١٥٧٨٥ عن السدي مرسلا بنحوه. وكرره ١٥٧٩٢ عن الضحاك مرسلا بنحوه. وفي رواية الطبري وردت كلمة رملة (دعصة) والدعص : قطعة من الرمل مستديرة ، أو الكثيب منه. والدعصاء : الأرض السهلة تحمى عليها الشمس.
__________________
(١) سورة آل عمران ١٢٦.
(٢) سورة الأنفال : ١٠.
(٣) سورة آل عمران : ١٢٦.