ابن عباس في آخرين. والثاني : أنه القرآن ، والمعنى : يحقّ ما أنزل إليك من القرآن.
قوله تعالى : (بِكَلِماتِهِ) أي : بعداته التي سبقت من إعزاز الدّين ، كقوله تعالى : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) (١).
قوله تعالى : (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) أي : يجتثّ أصلهم ؛ وقد بيّنّا ذلك في (الأنعام) (٢).
قوله تعالى : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) المعنى : ويريد أن يقطع دابر الكافرين كيما يحقّ الحقّ. وفي هذا الحقّ القولان المتقدّمان. فأما الباطل ، فهو الشّرك ؛ والمجرمون ها هنا : المشركون.
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠))
قوله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ).
(٦١٥) سبب نزولها ما روى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال : لمّا كان يوم بدر ، نظر النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيّف ، ونظر إلى المشركين وهم ألف وزيادة ، فاستقبل القبلة ، ثم مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره ، ثم قال : «اللهمّ أنجز ما وعدتني ، اللهم أنجز ما وعدتني ، اللهمّ إنّك إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبدا» فما زال يستغيث ربّه ويدعوه ، حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر الصّدّيق فأخذ رداءه فرداه به ، ثم التزمه من ورائه ، وقال : يا نبيّ الله كفاك مناشدتك ربّك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى : (إِذْ) قال ابن جرير : هي من صلة «يبطل». وفي قوله تعالى : (تَسْتَغِيثُونَ) قولان : أحدهما : تستنصرون. والثاني : تستجيرون. والفرق بينهما أنّ المستنصر يطلب الظّفر ، والمستجير يطلب الخلاص. وفي المستغيثين قولان : أحدهما : أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون ، قاله الزّهري. والثاني : أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قاله السّدّيّ. فأمّا الإمداد فقد سبق في (آل عمران) (٣).
وقوله تعالى : (بِأَلْفٍ) قرأ الضّحّاك ، وأبو رجاء : «بآلاف» بهمزة ممدودة وبألف على الجمع. وقرأ أبو العالية ، وأبو المتوكّل : «بألوف» برفع الهمزة واللام وبواو بعدها على الجمع. وقرأ ابن حذلم ، والجحدريّ : «بألف» بضمّ الألف واللام من غير واو ولا ألف ، وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران : «بيلف» بياء مفتوحة وسكون اللام من غير واو ولا ألف. فأمّا قوله : (مُرْدِفِينَ) فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ : «مردفين» بكسر الدال. قال ابن عباس ، وقتادة ، والضّحّاك ، وابن زيد ، والفرّاء : هم المتتابعون. وقال أبو عليّ : يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكونوا مردفين مثلهم ، تقول : أردفت زيدا دابّتي ؛ فيكون المفعول الثاني محذوفا في الآية. والثاني : أن يكونوا جاءوا
____________________________________
(٦١٥) صحيح. أخرجه مسلم ١٧٦٣ والترمذي ٣٠٨١ ، وابن حبان ٤٧٩٣ والبيهقي ٦ / ٣٢١ ، وفي «الدلائل» ٣ / ٥١ ـ ٥٢ ، والطبري ١٥٧٤٧ من حديث عمر.
__________________
(١) سورة التوبة : ٣٣.
(٢) سورة الأنعام : ٤٥.
(٣) سورة آل عمران : ١٢٤.