جعفر «يبطشون» بضمّ الطّاء ها هنا وفي (القصص) (١) و (الدّخان) (٢). (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها) المنافع من المضار (أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) تضرّعكم ودعاءكم؟ وفي هذا تنبيه على تفضيل العابدين على المعبودين ، وتوبيخ لهم حيث عبدوا من هم أفضل منه. (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) قال الحسن : كانوا يخوفونه بآلهتهم ، فقال الله تعالى : (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) ، (ثُمَّ كِيدُونِ) أنتم وهم (فَلا تُنْظِرُونِ) أي : لا تؤخروا ذلك. وكان ابن كثير ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ يقرءون «ثم كيدون» بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ أبو عمرو ، ونافع في رواية ابن حماد بالياء في الوصل. وروى ورش ، وقالون ، والمسيّبي بغير ياء في الوصل ، ولا وقف. فأمّا «تنظرون» فأثبت فيها الياء يعقوب في الوصل والوقف. (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ) أي : ناصري (الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) وهو القرآن ، أي : كما أيّدني بإنزال الكتاب ينصرني.
(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (١٩٧))
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) يعني الأصنام (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ) أي : لا يقدرون على منعكم ممّن أرادكم بسوء ، ولا يمنعون أنفسهم من سوء أريد بهم.
(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (١٩٨))
قوله تعالى : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) في المراد بهؤلاء قولان : أحدهما : أنهم الأصنام. ثم في قوله تعالى : (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) قولان : أحدهما : يواجهونك ، تقول العرب : داري تنظر إلى دارك ، (وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) لأنه ليس فيهم أرواح. والثاني : وتراهم كأنهم ينظرون إليك ، لأنّ لهم أعينا مصنوعة ، فأسقط كاف التشبيه ، كقوله تعالى : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) (٣) أي : كأنّهم سكارى ، (وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) في الحقيقة. وإنما أخبر عنهم بالهاء والميم ، لأنهم على هيئة بني آدم. والقول الثاني : أنهم المشركون ، فالمعنى : وتراهم ينظرون إليك بأعينهم ولا يبصرون بقلوبهم.
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ (١٩٩))
قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ) العفو : الميسور ، وقد سبق شرحه في سورة البقرة (٤). وفي الذي أمر بأخذ العفو منه ثلاثة أقوال : أحدها : أخلاق الناس ، قاله ابن الزّبير ، والحسن ، ومجاهد فيكون المعنى : اقبل الميسور من أخلاق الناس ، ولا تستقص عليهم فتظهر منهم البغضاء. والثاني : أنه المال ، وفيه قولان : أحدهما : أنّ المراد بعفو المال : الزّكاة ، قاله مجاهد في رواية ، والضّحّاك. والثاني : أنها صدقة كانت تؤخذ قبل فرض الزّكاة ، ثم نسخت بالزّكاة ، روي عن ابن عباس. والثالث : أنّ المراد به : مساهلة المشركين والعفو عنهم ، ثم نسخ بآية السيف ، قاله ابن زيد.
__________________
(١) سورة القصص : ١٩ قوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ).
(٢) سورة الدخان : ١٦ قوله تعالى : (يَوْمَ نَبْطِشُ).
(٣) سورة الحج : ٢.
(٤) سورة البقرة : ٢١٩.