والمعنوية ، فالله لا يريد للحزن أن يكون طابع المجاهدين العاملين في نتائج الأوضاع المعقّدة في حياتهم ، فعليهم أن يراقبوا الله في ذلك من خلال إيمانهم بأنه خبير بما يفعلونه ، سواء كان ذلك من خلال باطن أفعالهم أو ظاهرها ، لينفتحوا على مواقع الصواب من خلال المحاسبة الدقيقة لكل الماضي المعقد في انتظار المستقبل المنفتح ، وهكذا يرتفع الحزن على الخسارة ليحل محله الوعي والأمل بانتظار الربح في المستقبل الآتي.
* * *
الفئة المؤمنة تأخذ دروسا
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) وعاد البعض إلى رسول الله ، وهم يعيشون هذه الصدمة الكبيرة ، ويقارنون بين أسباب الهزيمة ونتائجها ، وشعروا بالتقصير والندم ، وبدأوا في التخطيط لحسابات المستقبل. وكان لا بد من حالة استرخاء يستريحون فيها من متاعب المعركة وانفعالات الندم ، ليملكوا زمام تفكيرهم ، فألقى عليهم النعاس ليعيشوا الإحساس بالأمن والطمأنينة ، فتتجدّد لهم طاقاتهم التي أتعبها الجهد ، وتصفو أفكارهم التي كدرها الألم ، وترتاح أعصابهم التي أرهقها الانفعال ، فغابوا في سبات عميق يفصلهم عن كل هذه الأجواء الخانقة من التوتر والرعب والانفعال ... وتلك هي الفئة المؤمنة التي لا تفقد صوابها ، ولا ترتاب في إيمانها ، ولا تتزلزل في مواقفها أمام الصدمات والتحديات والهزائم ، بل تقف من جديد ، لتفكر في المستقبل من خلال دروس الحاضر ، ولتواصل المسيرة وتعتبر أن كل ما حدث ما هو إلّا تجربة وامتحان واختبار قد يفشل الإنسان فيه وقد ينجح. ولكن القضية في كلا الحالين تمثل العبرة التي يستفيد منها الفاشل كيف يتفادى الفشل في المستقبل ، ويتعلم منها الناجح كيف يمكن أن يستزيد من فرص النجاح في الحياة.
* * *