النموذج الفاشل والهموم الذاتية
(وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) وهناك طائفة أخرى قد أهمتهم أنفسهم ، فهي المحور الذي يدورون حوله في حركة الحياة ، فهم يفكرون في سلامتها وراحتها بعيدا عن أي هدف كبير يدفع الإنسان إلى الجهد والتعب والتضحية ؛ فإذا فكروا بالنصر في معركة ما ، فإنهم يفكرون فيه من حيث هو وسيلة للحصول على الغنائم والأسلاب ، وإذا فكروا بالهزيمة ، فإنهم يتفادونها لأنها تمثل خطا أسود في تاريخ حياتهم الذاتي ، وموقفا يسيء إلى بعض الأنانية الذاتية في مواقعهم العامّة. وهكذا يختنقون في سجن الذات ، فلا يتنفسون هواء الإنسانية الممتد في رحاب الله ، وعلى أساس هذا المحور الذي تدور حياتهم حوله ، فإنهم (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) فلا يستسلمون له استسلام العبد الواثق بربّه المطيع له ، العالم بأن الله لا يريد به إلا الخير ، وأن الشرّ عند ما يطوف بحياة الإنسان ، فإنما هو امتحان واختبار منه سبحانه له ؛ بل كل ما عندهم هو أن يمنحهم الله الخير والرزق والبركة ، فإذا منع ذلك عنهم تمرّدوا وانحرفوا ، فهم لا يتصورون الله إلا من خلال منافعهم ، كما أنهم يعملون على إثارة الشك والريب بالنبي وبالإسلام إذا عرضت هناك بعض الانتكاسات في ساحة السلم أو الحرب ، انطلاقا من الفكرة الخاطئة التي يعتنقونها في مرادفة النصر للحق ، والهزيمة للشك والريب والتزلزل ...
وهكذا كانت ظنونهم منطلقة في الاتجاه المادي للحياة ، وهذا من ظنون الجاهلية التي تبتعد عن الحق في خطها الفكري وتصوّرها عن الله والكون والإنسان ، لأن التصّور الحق ، هو أن الله يجري الأمور على أساس سننه الحتمية التي ترتكز على قاعدة أساسية ، وهي ملاحظة المصلحة العميقة للإنسان على مستوى الامتداد الشامل لجوانب حياته ، فقد تكون هناك مصلحة في إثارة العقبات أمام شخص أو جماعة ، من أجل أن يكون ذلك وسيلة من وسائل تقوية المواقف وتركيز الشخصية ونضوج التجارب ، وقد