اعتبار السماء بمعناها المادي الذي يجعلهم يتطلعون إليها ، هي المنطقة التي تمثل درجة العلو التي تنتسب إلى الله في مقابل الأرض التي هي دونها في درجة القرب المكاني ، ولو أراد الرفع المعنوي لكان الأقرب التعبير بالرفع بشكل مطلق ، كما في قوله تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) [المجادلة : ١١] ، أو في قوله تعالى : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا).
أمّا قوله تعالى : (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فقد يعني إبعاده عن مواقع القذارة النفسية والروحية والأخلاقية التي يمثلها المجتمع الكافر في عاداته وتقاليده وقيمه المادية التي تلوث روح الإنسان وعقله وعمله ، وذلك من خلال اللطف الإلهيّ الذي أغدقه الله عليه ، فجعله إنسانا طاهرا في ذاته ، يعطي للآخرين طهارة الفكر والروح والقلب والشعور والحياة.
* * *
وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا
واختفى عيسى عليهالسلام عن الأنظار ولم تختف دعوته ، وغاب عن الساحة ولم يغب أتباعه ، بل اندفعوا بكل صبر وإيمان ، يركّزون الأساس ، ويرفعون البناء ويصنعون للمستقبل فكره وروحيّته ونظامه ... وكانت رعاية الله لهم في كل خطواتهم العمليّة ، فبدأ الإيمان يتقدم ليتخذ مواقعه الثابتة في حياة الناس ، وبدأ الكفر ينحسر تدريجيا.
وكان وعد الله لعيسى حقا : (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فها هم اليهود يقفون في الدرجة السفلى أمام أتباعه ، ولكن كيف ذلك؟ ومن هم أتباعه؟ هذا ما خاض فيه المفسرون كثيرا ، وهذا ما يجب أن نتوقف أمامه قليلا لنفهم معنى هذه الفقرة من الآية. فقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بالذين اتبعوه ، هم أهل الحق من النصارى الذين ساروا على دعوته الحقيقية ، ومن المسلمين الذين اتبعوه باتباعهم للنبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي بشّر به وبرسالته ، وأن