«وهاهنا وجه آخر ، وهو ، أن يكون المراد بالذين اتبعوا هم النصارى والمسلمون قاطبة ، وتكون الآية مخبرة عن كون اليهود تحت إذلال من يذعن لزوم اتباع عيسى إلى يوم القيامة ... وهذا أحسن الوجوه في توجيه الآية عند التدبر ...» (١) كما يقول صاحب الميزان.
وربما كان جو الآية يوحي بالوجهين الأخيرين ، انطلاقا من أن الآية واردة في مقام إعطاء الفكرة ، بأن الذين يضطهدون الأنبياء وأتباعهم لا يحصلون على الامتداد في الزمن في عمليّة ممارسة القوة والغلبة ، لأن رسالات الله سوف تتقدم وتفرض نفسها على الساحة إن عاجلا أو آجلا على أساس سنّة الله في خلقه ، من أن الحق لا بد من أن يفرض نفسه في نهاية المطاف ؛ والله العالم بحقائق آياته ...
* * *
الله الحكم العدل
وتلك هي قصة الصراع بين الكفر والإيمان ، وبين الحق والعدل في حساب الدنيا ؛ أما إذا رجع الناس إلى الله ووقفوا بين يديه ليحكم بينهم ، فهناك الحكم العدل الذي يضع الحق في ميزانه الصحيح ، ويظهر الباطل في حجته الضعيفة التي لا تثبت أمام النقد ، (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) وهذه اللفتة القرآنية تنقل الناس من أجواء الحياة الدنيا التي يتخبط فيها الناس في الضلال من خلال ما يخوضونه من صراع الحق والباطل ، إلى أجواء الآخرة التي يسود فيها العدل في حسابات الصراع الفكري والعملي ... فلا مجال إلا للحق الذي يقف فيه المحقّ رافع الرأس عاليا ، لأنه لا يخاف من الاضطهاد الذي يمارسه ضده أهل الباطل في خنق صوت الحق في الحياة ؛
__________________
(١) (م. س) ، ج : ٣ ، ص : ٢٤٣.