أحد ، فلا يلتفتون إلى نداء الرسول أو غيره ، فقد أخذت الهزيمة الداخلية مأخذها منهم ، فهربوا من الموت ...
وعاشوا الغمّ النفسي الذي أثاره الله في نفوسهم في ما واجهوه من حالة الانسحاق الذاتي والندم المرير على ما قاموا به ، وأفاقوا على واقع لم يحسبوا له حسابا ، وذلك كردّ فعل على الغم الذي جلبوه للرسول وللمسلمين وللإسلام. وقد أراد الله لهم من خلال ذلك أن يعرّفهم كيف يربطون بين النتائج وأسبابها ، فلا يبادرون إلى الاندفاع في موقف إلا بعد التفكير والتأمّل في عواقبه ، لأنهم باندفاعهم يملكون الذهنية الساذجة أمام مشاكل الحياة وآلامها وهزائمها ، لذا عليهم أن يملكوا الذهنية التي تجلس في كل مجال من هذه المجالات ، لتحلّل وتناقش وتستنتج من أجل أن تحوّل نقاط الضعف إلى نقاط قوّة ، وتغير السلبيات إلى إيجابيات. وهذا ما نستوحيه من قوله تعالى : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) فإن الظاهر منها أن الله أراد لهم أن يعيشوا الحالة النفسية التي تمثل ما يشبه الصدمة في الداخل على أساس ما حدث من أجل أن تكون تجربة ودرسا يبعدهم عن مشاعر الحزن إزاء الخسارة أو المصيبة.
إن الخط الإسلامي في أمثال هذه الحالات الصعبة التي يمر بها المسلمون في الواقع السلبي الذي قد تتمخض عنه الحرب بالهزيمة العسكرية ، هو عدم السقوط أمام التجربة المرّة بالحزن العاطفي الذي يجتر معه الإنسان الآلام في حالة نفسية مدمّرة ، كما لو كانت الهزيمة أو الفشل نهاية المطاف في حياته ، فلا يصير إلى غلبة أو نجاح بعدها أبدا. فإن الحزن عاطفة إنسانية نبيلة ، ولكن لا بد للإنسان من أن يحركها في الاتجاه الإيجابي الذي يثير في النفس المرارة لتدخل في هذا الجو في وعي التجربة ، لاستخلاص العبر منها ، من أجل الدخول في تجربة جديدة في مستقبل جديد ، وهكذا يتحوّل هذا الغم الذي يمثل ضيقا في الصدر ، وألما في الإحساس ، إلى انفتاح على كل مفردات القضية السلبية ، من أجل أن يتفهموا طبيعتها ، وتفاصيلها ، على صعيد الخسائر البشرية والمادية