في سبيل تبليغ هذه الرسالة حتى يربط الناس بالله من خلالها ؛ فإذا مات ميتة طبيعية ، أو قتل في أيّة معركة من معارك الجهاد ، كان على الرسالة أن تستمر ، وعلى الناس المؤمنين بها أن يستمروا معها ، ولا يجوز لهم أن ينقلبوا على أعقابهم فيكفروا أو ينحرفوا عن الخطّ ؛ لأنهم لم يرتبطوا بالرسول كشخص ، بل ارتبطوا بالله ورسالاته من خلاله ، وذلك هو قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) من رسل الله الذين أرسلهم الله إلى الناس ليبلغوهم رسالاته ، لينطلقوا في خطها المستقيم في خط العقيدة والالتزام ، (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) فقد مضت الرسل من قبله وقاموا بمسؤولياتهم الرسالية خير قيام ، وماتوا وقتل بعضهم ، وسيموت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أو يقتل كما ماتت الرسل أو قتلت من قبله واستمرت الرسالات من بعدهم ولم تتجمد عندهم ، (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ) من خلال سنّة الله في عباده ، (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) وتراجعتم عن الالتزام بالرسالة التي هي التجسيد الحيّ لارتباط المؤمن بالله من خلال الارتباط برسالته ، كمن يرجع القهقرى في عملية تراجعية قبيحة ، في الوقت الذي كان يجب عليه مواصلة حركة السير في عملية تقدم إلى الأمام ، لا سيما إذا كان الخط يمثل الامتداد في انفتاح الإنسان على الحق في امتداد المستقبل في واقع الحياة الإنسانية ، (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ) فيرتد عن دينه ويعود إلى الكفر ، (فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) لأن الله غنيّ عن عباده ، فلا ينفعه إيمان من آمن ولا يضره كفر من كفر من ناحية الذات ، فهو الذي خلقهم من دون حاجة ، وهو القادر على إزالتهم من دون نقص ، ولكنهم هم الذين يقعون في الضرر ويسقطون في هوّة الهلاك.
ثم يصعّد الموقف الذي يؤكّد المبدأ ، وهكذا قررت الآية أن الذي ينقلب على عقبيه بعد موت الرسول بأن يكفر أو ينحرف عن الحقّ الذي بلّغه الرسول وأوصى به ، سوف يضر نفسه لأنه يسير بها في طريق الهلاك والدمار ، ولن يضر الله شيئا ، لأن رسالات الله لا تتوقف أو تتجمد عند كفر كافر أو انحراف منحرف مهما كان دوره ، ومهما كانت درجته وطبقته ، فإن المسيرة تبقى وتتقدم ، وأمّا الأشخاص فزائلون. ثم انعطفت الآية إلى السائرين على خطّ الحقّ ، فاعتبرت