والارتباك وانكفأ الناس عن النبي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وما بقي معه إلّا قليل ، وقال البعض : ليتنا نجد من يأخذ لنا الأمان من أبي سفيان ، وقال آخرون : لو كان محمّد نبيا لم يقتل ، ألحقوا بدينكم الأوّل ، كما يروي المؤرخون ذلك وغيره ، في الخط السلبي للقضية. أمّا في الخط الإيجابي الذي يمثّل الثبات على الإسلام حتى في غياب الرسول القائد ، فتمثّله لنا القصّة التي ينقلها الطبري في تفسيره : «أن رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار وهو يتشحّط في دمه (١) ، فقال : يا فلان ، أشعرت أن محمّدا قد قتل؟ فقال الأنصاري : إن كان محمّد قد قتل فقد بلغ ، فقاتلوا عن دينكم» (٢). وفي رواية أخرى ـ يرويها الطبري أيضا ـ أن أنس بن النضر مرّ بعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار ، وقد ألقوا بأيديهم فقال أنس : «ما يجلسكم؟ قالوا : قد قتل محمد رسول الله. قال : وما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله. واستقبل القوم فقاتل حتى قتل» (٣).
* * *
الارتباط بالرسالة لا بالشخص
وهكذا نجد القاعدة الإسلامية التي تربط الإنسان المؤمن بالرسالة ولا تربطه بالشخص إلّا من خلال الرسالة ، فلا تموت الرسالة بموته ممثّلة في بعض النماذج المؤمنة في ذلك الوقت.
وقد وقف القرآن الكريم موقفا حاسما ـ كما أشرنا إلى ذلك ـ وأكّد أن الرسول محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم هو أحد رسل الله ، الذي جاء على فترة من الزمن ، وجاهد
__________________
(١) يتشّحط في دمه : يتمرّغ.
(٢) تفسير الطبري ، م : ٣ ، ج : ٤ ص : ١٥٠.
(٣) (م. ن) ، م : ٣ ، ج : ٤ ، ص : ١٥٠.