وليست ترفا فكريّا يمكن للإنسان أن يستغني عنه ، وبذلك يتحوّل البيان لديه إلى وضوح فكري ، والهدى إلى حركة على الطريق المستقيم ، والموعظة إلى انفتاح على آفاق الله الواسعة في رحاب الحياة ... أمّا غير المتقين ، فقد أغلقوا عيونهم عن النور ، وأصمّوا أسماعهم عن كلمات الحقّ وجمّدوا عقولهم عن التحرّك في اتجاه الحقيقة.
* * *
نظام كوني إلهي
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) مضت في الزمن الماضي الذي عاشت فيه أمم متنوعة في خصائصها وأعرافها ولغاتها وألوانها ومواقعها ، في أوضاعها الخاصة والعامة ، وفي صراعاتها المعنوية والمادية ، وفي مواقفها إزاء الرسالات التي جاء بها الأنبياء وحيا من الله ، وتحرّك فيها المصلحون في خط الرسالات في تمردها الفكري والعملي عليها ، واضطهادها للرسل ودعاة الصلاح والإصلاح ، فكانت لها في حركة التاريخ في الواقع الإنساني أكثر من سنّة إلهية تنفتح على أكثر من قانون عام تخضع له الحياة والإنسان في كل الأحداث التي تحدث في الواقع ، وفي كل التطورات الإنسانية والمتغيرات الحياتية ، وذلك في النظام الكوني والإنساني الذي أقام الله الحياة عليه ، فلا يختلف فيه الحاضر عن الماضي ، ولا ينفصل فيه المستقبل عن الحاضر ، فهناك خط واحد ممتد في الزمان في الوجود الإنساني يتحرك عليه الإنسان ، فهو الذي يضع لنفسه خيرها بإرادته الخيّرة ، وهو الذي يضع لها شرّها بإرادته الشريرة ، وهو الذي يغير الواقع من خلال تغيير فكره في تصوراته وتطلعاته وخططه للحياة وللحركة وللعلاقة بالإنسان وبالوجود ، لأن الله جعل حركته مظهرا لفكره في مفرداته وأسلوبه وحركته في الواقع ، وهكذا تنطلق الحضارات في عملية النباء والقوّة والامتداد والحيوية من خلال الانفتاح على القيم ، وانحدار الإنسان إلى الدرك الأسفل في روحيته