لتحويلها إلى نقاط قوّة بالجهد والإيمان والمعاناة ... وأعطتنا درسا عمليّا في التأكيد على الجانب السلبي في الشخصية التاريخية بالقوّة نفسها التي تؤكد على الجانب الإيجابي فيها ، على أساس الواقعية الإنسانية في الإنسان ، وعدم إغفال الضعف في التجربة الحيّة بحجّة أن ذلك يسيء إلى قداسة التاريخ وعظمة أبطاله ، مما يترك انطباعا سلبيّا عند الأجيال المقبلة بفقدان النماذج الكثيرة التي تصلح للقدوة البشرية ، فلا يبقى لنا إلّا الأنبياء والأولياء الذين يتميزون بميزة العصمة في ملكاتهم وطاقاتهم الروحيّة ، الأمر الذي يوحي للأجيال بأنّ تكليف الأنبياء يختلف عن تكليفهم ، فإذا تميّزوا بخلق أو عمل ، فليس معنى ذلك أن علينا أن نلتزم بهذا الخلق أو ذلك العمل ، لأننا لا نملك ما يملكون من طاقات ... فلا بدّ لنا من تاريخ أبيض ناصع يؤرخ للبطولات البشرية العادية التي تنطلق فيها الإيجابيات بدون سلبيات ، لتتصاعد لدينا الثقة بالإمكانيات التي تكمن في داخل الإنسان العادي للارتفاع إلى المستوى الأعلى ...
ولكننا نعتقد أن هذه الحجّة لا ترتكز على أساس إسلامي واقعي ، وذلك من خلال ملاحظتين :
الأولى : إن الفكرة القائلة بأنّ سيرة الأنبياء والأولياء لا تعتبر أساسا للدعوة إلى القدوة لأنهم فوق مستوانا غير صحيحة ، لأن الأنبياء في ممارساتهم الروحيّة والعملية لا يتحركون من مستوى فوق مستوى البشر ، بل يعيشون في الحياة بالطاقات البشرية العادية التي تتكامل وتتصاعد بالوعي والمعاناة ، وهذا ما أكّده القرآن في أكثر من آية ، في حديثه عن بشرية الأنبياء وخطأ العقيدة التي تفرض لهم شيئا فوق هذا في تكوينهم الذاتي ، وفي هذا الاتجاه كانت الدعوة الإلهية إلى التأسي برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب : ٢١].
الثانية : إن قيمة القدوة في التجربة الإنسانية تكمن في واقعيتها التي توحي بأنّ الخطأ والانحراف في بعض مراحل العمل ، لا يعني سقوط الإنسان ونهايته