مفهوم إسلامي للعمل
إنّ فكرة هذه الآيات تعطينا مفهوما إسلاميا للعمل في نطاق العلاقات الاجتماعية ، وخلاصته أنّ على المؤمنين أن يدرسوا طبيعة المواقف الفكرية المبدئية التي يتخذها الآخرون تجاههم ، ويعملوا على التمييز بين الخلافات الطارئة والخلافات المعقّدة ، وعلى التفريق بين الأشخاص الذين يعيشون الخلاف الفكري والعملي كمبدإ وبين الذين يعيشونه كعقدة ، ويتابعوا التجربة في دراسة المشاعر الذاتية التي تحكم تصرف هؤلاء وتصرف أولئك ، ليحددوا ـ من خلال ذلك ـ مواقفهم ومواقعهم في الساحة العامّة على المستوى الاجتماعي والسياسي والفكري ، لئلا يقعوا تحت تأثير الأوضاع العاطفية التي تتمثل في البسمات المشرقة ، والعيون اللامعة ، والوجوه التي تتلوّن بحسب الألوان المتحركة تبعا للمزاج والشعور والتخيّل ، فيثقوا بمن ليس في مستوى الثقة ، فيؤدي ذلك إلى الوقوع في قبضة الكفر والضلال ...
وقد عاش المسلمون في تاريخهم الماضي وفي تاريخهم المعاصر كثيرا من الحالات العاطفية التي تحوّلت إلى نكسات وهزائم اجتماعية وسياسية ، لأنهم خضعوا للأجواء السطحية ، فانقادوا في خطوات المجاملة ، وتخلّوا عن كثير من مواقعهم انطلاقا من المحافظة على علاقات مشبوهة وصداقات كاذبة. فأساءوا بذلك إلى أنفسهم وإلى الإسلام بشكل عام ... كما واجهنا ذلك في الركض وراء حملة الشعارات الغائمة التي يثيرها البعض تحت ستار وحدة الأديان ، أو وحدة الإنسانية ، أو الوحدة الوطنية والقومية ، وربما الإسلامية ، من أجل أن يحققوا من خلال ذلك لأنفسهم ولمخططاتهم الفرص الكثيرة التي تتيح لهم القفز على المواقع ، لأنهم يملكون في هذه الساحة قوّة لا يملكها أهل الحق ، ولأنهم يرسمون هنا خطّة خفيّة لا يعرف أسرارها الطيبون من المسلمين ، فينفّذون لهم ما يريدون باسم الوحدة مما لا يتيسر لهم الحصول عليه بدون ذلك.
ولا تزال الخطة تتقدّم في كثير من المظاهر التي تخفي في داخلها الكثير