فيها بفعل علاقاتكم الخاصة بهم ، (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) فهم قد يظهرون لكم المحبة بطريقة شخصية ؛ ولكنهم يخفون في أنفسهم العزيمة على الإيقاع بكم ، والإضرار بمصالحكم ، وإفساد أموركم ، وتوجيه عقولكم في اتجاه الغفلة والجنون الفكري والشعوري والسياسي ... لأن الخطة الموضوعة لديهم في مواجهة الإسلام تفرض عليهم السير في هذا الاتجاه.
(وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) فهم يحبون لكم الوقوع في المشقة والعناء في حربكم وسلمكم ، فلا يريدون لكم الراحة في مشاريعكم الداخلية وفي أوضاعكم الخارجية ، مما يجعل الصداقة غير ذات موضوع لديهم أمام الشخصية الاجتماعية التي تفرض عليهم المحافظة على وجودهم وامتيازاتهم في هذا الجو الإسلامي الجديد الذي قد يصادر بعض مصالحهم ويؤكد انتصاره عليهم ، بحيث يؤدي إلى التعقيد في حالاتهم النفسية وأوضاعهم الخارجية ، ف (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) من خلال ما يظهر من فلتات ألسنتهم المعبّرة ـ تلقائيا ـ عما يضمرونه في داخلهم ، لأنه من الصعب على الإنسان ـ حتى في حالات الحذر ـ إخفاء ما يضمره في نفسه ، من خلال كلمة تنطلق هنا ـ من غير شعور ـ أو كلمة تقفز هنا في موقف انفصال أو نحوه ، فتلك بعض دخائل النفس وغوامض الشعور ، وهذا ما قرره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام في قوله : «ما أضمر أحد شيئا إلّا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه» (١).
(وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) من الحقد الدفين الكامن في نفوسهم ، انطلاقا من إحساسهم الذاتي الفئوي بأنكم قادمون لإلغاء مواقعهم المتقدمة في امتدادهم الديني في ساحة الواقع ، وتحطيم عنصريتهم المعقّدة.
(قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) بما أظهرناه لكم من الدّلالات الواضحة على الخط الفاصل بين العدو والوليّ ، سواء على مستوى اختلاف الانتماء الديني أو اهتزاز الحالات النفاقية الشريرة ، مما يفرض عليكم الأخذ بأسباب الحذر في علاقتكم بهم ، والتحرك من موقع الوعي في حركتكم معهم ، (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)
__________________
(١) نهج البلاغة ، قصار الحكم / ٢٦ ، ص : ٣٥٧.