لا تنبع من خارج الذات بل تنطلق من داخلها ، من خلال الشعور بالقوة والاكتفاء والاستقرار الروحي ، فإذا فقدت ذلك كنت ذليلا في نفسك وإن أحاطت بك مظاهر العز من حولك ، وهذا ما عاشه اليهود في مختلف العصور مع سائر الأمم ، فقد كانوا يعيشون هاجس الخوف من الآخرين ، مما جعلهم يعيشون العزلة ، ويوحون لغيرهم ـ من خلال ذلك ـ باضطهادهم نتيجة فقدان روح المقاومة التي تتحدى الموت عندهم. وهكذا كانت القضية في التاريخ ، ولكن ذلك لا يمنع من أن يملكوا بعض زمام القوّة في مراحل أخرى من الحاضر والمستقبل ، لأنّ الظروف الموضوعية التي تحيط بحركة الحياة ، ربما تفسح المجال للذليل أن يكون عزيزا ، وللضعيف أن يكون قويّا ، لا من جهة العزة والقوة الداخليّتين ، بل من جهة ضعف الآخرين ، ووقوفهم في مواقع الذلّة ؛ وبذلك تمتد لهؤلاء الفرصة (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) في ما تقدّره من ارتباط المسببّات بأسبابها ، (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) في ما يهيّئونه لهم من وسائل القوّة الخارجية السياسية والعسكرية وغير ذلك.
* * *
بين ضرب الذلة على اليهود وسيطرتهم على مقدرات العالم
وبهذا كانت المسألة في الآية في موضوع ضرب الذلة على اليهود خاضعة للحالة الذاتية التي يعيشونها على أساس عقدتهم التاريخية في الشعور بالانفصال عن الآخرين ، مما يوحي بالانكماش والعزلة الروحيّة التي تختزن الخوف والذلة النفسية ، فلا مانع من أن يحصلوا على القوّة من خارج. ومن هنا ، لا تبقى أمامنا مشكلة الواقع الذي يعيشه اليهود الآن في سيطرتهم على مقدرات العالم السياسية والمالية من خلال ما استطاعوا أن يحصلوا عليه من مراكز القوى في مختلف أنحاء العالم ، الأمر الذي أدّى إلى سيطرتهم على أرض فلسطين وتشريدهم أهلها منها ؛ فإن ذلك كان من خلال المعادلات السياسية العالمية التي