وقد لا تكون هذه الآية مفصلة من مناسبة معينة ، بل ربما تكون واردة للتحذير مما قد يحدث من الاهتزازات في الواقع الإسلامي على أساس العصبيات المعقدة التي قد تؤدي بالمسلمين إلى الاستغراق في عصبياتهم العائلية التي تؤدي إلى الحمية الجاهلية.
* * *
أساس الوحدة
في هذه الآية يتابع القرآن تأكيد الأساس الذي تنطلق منه الوحدة في أسلوب إيحائي يربط الهدف بالقاعدة ، في مسار لا يترك مجالا للانحراف أو الضلال ... ثم في توجيه المجتمع المؤمن إلى أن يدخل في عملية مقارنة بين الماضي وبين الحاضر ، فقد كان الماضي يحمل في داخله الحقد والعداوة والبغضاء ، بينما يتحرك الحاضر على أساس المحبة والألفة والأخوّة ... وكان ذلك الواقع المظلم خاضعا لممارسات تقف به على مشارف النار ، فأنقذه الله منها برحمته في ما أنزله من وحي ، وما أطلقه من مفاهيم ، وما وجّهه من تعاليم.
وقد ورد أن (بِحَبْلِ اللهِ) كناية عن كتاب الله الذي هو حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، مما يجعل من الدعوة إلى الاستمساك به انطلاقة للاعتصام بالإسلام كأساس للوحدة بعيدا عن كل الجهات الأخرى من عائلية وإقليمية وقومية. وفي ضوء ذلك نعرف أن وحدة المجتمع في الإسلام ليست مطلبا فارغا من المضمون ، كما يفعله المندفعون مع الشعارات التي تلتقي مع أي مضمون ، لأن القضية تتخذ لنفسها صفة الإطار الذي يعيش مع أية صورة ، أما الإسلام فهو الإطار والصورة معا ، فلا مجال معه لأي طرح آخر خارج حدود إطاره الطبيعي ...
* * *