مناسبة النزول
جاء في مجمع البيان ، قال مقاتل : «افتخر رجلان من الأوس والخزرج ، ثعلبة بن غنم من الأوس ، وأسعد بن زرارة من الخزرج ، فقال الأوسي : منا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، ومنا حنظلة غسيل الملائكة ، ومنا عاصم بن ثابت بن أفلح حمي الدين ، ومنا سعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمن له ورضي الله بحكمه في بني قريظة. وقال الخزرجي : منا أربعة أحكموا القرآن أبيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد ، ومنا سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم. فجرى الحديث بينهما ، فغضبا وتفاخرا وناديا ، فجاء الأوس إلى الأوسي ، والخزرج إلى الخزرجي ومعهم السلاح ، فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فركب حمارا وأتاهم ، فأنزل الله هذه الآيات (١) ، فقرأها عليهم فاصطلحوا» (٢).
قد تكون هذه القصة سببا للنزول ، كمنطلق للنهي عن التفرق من حيث المبدأ بقطع النظر عن أسبابه الضرورية والاجتماعية ، ولكننا نلاحظ أن جو الآية يوحي بأن المناسبة قد تعبّر عن ظاهرة بارزة في المجتمع الإسلامي آنذاك ، بحيث تؤدي إلى اهتزاز الواقع المسلم تحت تأثير المشاكل الحادة التي قد تهدم الهيكل على رؤوس الجمع ، مما يعني أن الحادثة أكبر من هذه الحادثة الفردية التي لا تمثل أية مشكلة كبيرة ، لا سيما أن المتفاخرين لم يخرجا ـ في مفردات فخرهما ـ عن الواقع الإسلامي ، باعتبار أن الأشخاص الذين تحدثوا عنهم كانوا من وجهاء المسلمين ، الأمر الذي يعني أن الخلاف في داخل الجو الإسلامي ، الذي يحاول فيه كلّ واحد أن يؤكد عمق عشيرته في الإسلام من خلال تأثير الشخصيات المهمة في إغناء تجربته وثقافته ، مما لا يسبب انحرافا في الشعور ولا في الموقف.
__________________
(١) هكذا وردت ، والصحيح : هذه الآية ، والله العالم.
(٢) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٨٠٤.