أتردّين عليه حديقته؟ قالت : نعم ، وأزيده. قال : لا ، حديقته فقط. فردّت عليه حديقته فقال: يا ثابت خذ منها ما أعطيتها وخلّ سبيلها. ففعل ، فكان أول خلع في الإسلام» (١).
وأخرج داود في الناسخ والمنسوخ عن ابن عباس قال : «كان الرجل يأكل من مال امرأته نحلته ـ عطاءه ـ الذي نحلها وغيره ، لا يرى أن عليه جناحا ، فأنزل الله : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً)» (٢).
ولنا ملاحظة ، وهي أن هذه الروايات ، وغيرها مما ورد في تحديد أسباب النزول ، تدل على أن حركة التشريع كانت تنطلق من حاجة الواقع إلى معالجة المشاكل المتحركة فيه ، فيأتي الحكم الشرعي في صعيد الحاجات الإنسانية الصعبة التي يتطلع المسلمون إلى حلها ، ليكون تأثيره أكثر عمقا مما لو كان منطلقا من تشريع ابتدائي. وهذا مما يوحي بأن الإسلام كان واقعيا في تشريعه للإنسان ، من خلال نظرته إلى واقع حياته ، بحيث يجد الإنسان سرّ الحكم الشرعي في معاناته للواقع المعاش في حياته الخاصة والعامة.
وفي ضوء ذلك ، لا بد للاجتهاد الفقهي أن لا ينظر إلى الحكم الشرعي الوارد في النصوص في دائرة التجريد ، بل في دائرة الواقع. فربما نستوحي من ذلك الكثير ، مما يجعل فهم النص أكثر سلامة واستقامة في وعي الشريعة ، لأنها جاءت لخدمة الإنسان ولحل مشاكله ، لا لتعذيبه وتقييد حاجاته بلا معنى.
* * *
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٢ ، ص : ٥٧٧.
(٢) الدار المنثور ، ج ١ ، ص ٦٦٧ ـ ٦٦٨.