(وَالْفِتْنَةُ) : أصلها الاختبار ، ثم ينصرف إلى معان منها : الابتلاء ، نحو قوله تعالى : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) [طه : ٤٠] أي : ابتليناك ابتلاء على أثر ابتلاء. ومنها : العذاب ، كقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) [العنكبوت : ١٠] ومنها : الصدّ عن الدين ، نحو قوله : (أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ) [المائدة : ٤٩] والمراد بها في الاية : الشرك بالله ورسوله.
* * *
تشريع القتال في الخطوات الأولى
في هذه الآيات ، يضع القرآن الخطوات الأولى لتشريع القتال في الإسلام ، ويثير أمامنا الفكرة التي يستند عليها هذا التشريع في بداياته. فقد كانت قريش هي البادئة بالقتال والعدوان على المسلمين ، فليس من الطبيعي أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمامها ، ينادون بالسلام والمحبة والعفو والمغفرة ، لأن مثل هذه المفاهيم الروحية الأخلاقية لا يفهمها المعتدون الذين يحركون سيوفهم في هوى أطماعهم وشهواتهم وظلمات أنفسهم ، فلا بد من الحديث معهم باللغة التي يفهمونها جيدا ، من موقع الجو الذي يعيشونه في اعتبار القوة أساسا للحق وللسيطرة. وكان الإسلام واقعيا في نظرته إلى طبيعة الموقف ، فأذن للمسلمين في القتال في سبيل الله لمن يقاتلهم.
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) فلم يأذن لهم أن ينطلقوا من موقع الثأر الشخصي الذي يستجيب للنوازع الذاتية ، التي قد تضعف وقد تقوى تبعا للحالة النفسية التي تحكم الواقع الداخلي للإنسان ، بل أذن لهم أن يعتبروا الخط القتالي سائرا في سبيل الله ، لأن هؤلاء يعملون على أساس إبعاد الناس