فوجب أن يكون إفاضة ثانية ، فدلّ ذلك على أن الإفاضتين واجبتان ، والناس المراد به إبراهيم ، كما أنه في قوله : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) [آل عمران : ١٧٣] نعيم بن مسعود الأشجعي» (١).
ولعل الوجه الأول أقرب وأظهر ، لأن إرادة شخص واحد من الناس خلاف الظاهر ، فلا يصار إليه إلا بدليل. ولا دليل هنا على ذلك ، كما لا دليل فيها على أن هناك إفاضتين ، لأن كلمة الإفاضة من عرفات ذكرت لبيان التشريع. أما الآية الثانية فربما وردت لبيان الطريق الذي يسلكه الحجاج في الإفاضة وهو الطريق العام.
(وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) ودعاهم بعد ذلك إلى أن يستغفروه من كل ما يمكن أن يحدث في أنفسهم من المشاعر السلبية البعيدة عن خط الإيمان وروحيته ووعدهم بالمغفرة والرحمة ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لأن الرحمة والمغفرة من صفاته الذاتية التي امتنّ بها على عباده ليدخلهم في رحمته ورضوانه.
* * *
الدعاء بين نموذجين من الناس
(فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) يقال : إن الناس كانوا إذا قضوا مناسك حجهم ، جلسوا يسمرون ، ويمتد بهم الأمر إلى أن يثيروا أحاديث آبائهم ، فيتذكروا مواقفهم وأوضاعهم وأمجادهم ... وبذلك ينفصلون عن الجو الروحي الذي كانوا يعيشونه من
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٥٢٨.