والواقع أن الظاهر من القرآن الكريم هو أن إنزاله كان في شهر رمضان ، ولا نجد هناك فرقا بين الآيات التي تتحدث عن إنزال القرآن في ليلة القدر أو في شهر رمضان ، وبين الآيات التي تتحدث عن إنزاله على مكث أو تدريجيا ، ولا نستطيع أن نحمل القرآن على معنى غامض خفي في علم الله ، وذلك لا من جهة أننا نريد أن نفسر القرآن تفسيرا حسيا ماديا كما يفعل الحسيون ، بل من جهة أنه لا دليل على ذلك في ما حاول بعض المفسرين أن يقيم الدليل عليه ، مما لا مجال للخوض في النقاش فيه ، لأننا لا نجد فيه كبير فائدة.
وعلى ضوء ذلك ، فإن هذا الظهور القرآني البيّن يجعلنا لا نثق بالروايات التي توقّت البعثة في رجب أو تعيّن أوّل الآيات النازلة في سورة اقرأ ، ولذلك فإن من الممكن أن يكون المراد من الإنزال هو أوّل الإنزال ، كما أن كلمة القرآن تطلق على القليل والكثير بما يشمل السورة والاية والمجموع. والظاهر أن هذا المقدار كاف في الجانب التفسيري من القضية ، لأن الباقي يدخل في باب التخمين والتأويل من غير فائدة تذكر.
* * *
القرآن هدى للناس
(هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ).
هذه هي قيمة القرآن وأهميته في حياة الناس ، فهو كتاب هدى يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السّلام ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور. وهو كتاب البينات التي توضح للناس حقائق الأشياء ودقائقها بما يزيل كل شبهة ، ويفرق بين الحق والباطل. وقد بينا في بداية هذا التفسير أن معنى كون القرآن هدى ، هو اشتماله على أسس الهدى لمن أراد أن يهتدي بها ، فلا مجال للإشكال بأن هناك من لا يهتدي بالقرآن ، لأن الهدى هنا بمعنى الشأنية لا