الشرعية قبل النسخ مما يجعل الحكم مطابقا للواقع ، لأن النسخ لا يرفع الحكم من أصله ، بل يرفعه من وقته.
وخامسا : إن الظاهر من الآية أن التجربة كانت تتحرك نحو المنافقين الخاضعين لليهود ، في إثارتهم للمشاكل الفكرية ضد الإسلام وأهله ، وليست متحركة في الواقع العربي أو القرشي الذي كان لا يمثل مشكلة كبري في الواقع الإسلامي ، ولذلك لم نجد هناك أي حديث تاريخي عن مسألة العلاقة الحميمة بالكعبة التي كانت تمثل الخط الفاصل بين الثبات على الإيمان والانحراف عنه على أساس تشريع القبلة.
وسادسا : روى علي بن إبراهيم بإسناده عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام قال : تحوّلت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلّى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمكة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس ، وبعد مهاجرته إلى المدينة صلّى إلى بيت المقدس سبعة أشهر ، قال : ثم وجّهه الله إلى الكعبة ، وذلك أن اليهود كانوا يعيّرون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويقولون له : أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا ، فاغتمّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من ذلك غمّا شديدا ، وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء ينتظر من الله تعالى في ذلك أمرا ، فلما أصبح وحضر وقت صلاة الظهر ، كان في مسجد بني سالم قد صلّى من الظهر ركعتين ، فنزل عليه جبرائيل عليهالسلام ، فأخذ بعضديه وحوّله إلى الكعبة ، وأنزل عليه : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وكان صلّى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة ، فقالت اليهود والسفهاء : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها (١)؟.
* * *
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ١ ، ص : ٤١٣.