للناظر أنهم يتمتعون بالقوة المطلقة التي تهيمن على كل الأمور ، مما يخلق في أعماق النفس شعورا بالإعجاب الذي يتحول إلى المحبة في كثير من الحالات ، ثم تتحول المشاعر إلى رغبة عميقة في الحصول على رضاهم بالعمل بما يريدون في ما يأمرونه به أو ينهونه عنه.
فكانت هذه الآيات التي تكشف ضعفهم الذاتي الذي قد تحجبه مظاهر السلطان في الدنيا ، ولكنه يبدو على حقيقته في الآخرة ، (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) ، وذلك عند ما يقف الظالمون ليروا العذاب المعدّ لهم من الله ، فيعرفون أن كل مظاهر القوة التي يتمتعون بها أو يتمتع بها غيرهم من الناس ، لا قيمة لها ولا أساس. فها هم يعانون من العذاب الذي يقفون أمامه موقف الذالة المطلقة ، والضعف المطلق ، فلا يملكون لأنفسهم معه ضرا ولا نفعا ، وتنكشف أمامهم الحقيقة المطلقة ، وهي (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) فهو الذي يعطي القوّة ، وهو الذي يمنعها ، أو يسيّرها ، أو يوقفها عند حدودها التي يريد لها أن تقف عندها ، وهكذا يتعمق الشعور وهم أمام الحقيقة الأخروية الحاسمة في مصيرهم النهائي ، (وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) فالعذاب يقتحم عليهم موقفهم المخذول فيرون الله شديد العذاب للمتمردين والعاصين والمنحرفين والكافرين.
ثم يحدثنا الله عن مصير هؤلاء الذين يتبعون الظالمين فيشعرون بحمايتهم لهم عند ما يوحون لهم بأنهم يتحملون مسئوليتهم في كل ما يتعرضون له من صعوبات الحياة ومشاكلها ، وذلك في ما ينقله لنا من مشاهد القيامة (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ) فالمتبوعون من الظالمين والكبراء يتهربون من المسؤولية ، فلا يشعرون بأيّة علاقة تربطهم بهم ، وذلك عند ما رأوا العذاب ماثلا أمامهم وهو يقتحم الجميع بمستوى واحد من دون تفريق ، (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) التي كانت بينهم ، في كل ما تمثله من