المعرفة الإنسانية ، وازدهار عصر الفلسفة ، وتقدم الفكر الإنساني في مجالات الحياة ، فنجد أن قضية الإيمان كانت تقدم تبعا لتقدم الفكر وتطوّر المعرفة ، وهو ما يعني أن القضية لا تتعامل مع الجهل ، بل تتحرك في مواكب العلم.
وجاء عصر الاكتشافات العلمية ، التي استطاعت أن تضع أقدام الإنسان على سطح الكواكب ، وبقي الإيمان يفرض نفسه على تفكير كثير من هؤلاء العلماء الذين سجّلوا الكثير من الاكتشافات العلمية ، أو ساعدت نظرياتهم على هذه الاكتشافات ، ما يعني أن اتساع نطاق التجربة ، وسعة أفق المعرفة ، لا يغلق على الفكر باب الإيمان ، بل يفتحه على أوسع آفاقه ، لدرجة نستطيع معها تقرير فكرة حاسمة محددة ، وهي أن تحوّل الجهل إلى علم ، قد يرفع قيمة الإيمان ومستواه وإمكانياته لدى العلماء ، لأنه يمنحهم وسائل جديدة وأدوات جديدة للتجربة الحيّة والفكر الواسع.
٢ ـ وأما من الناحية الثانية التي ترتبط بالأسس الفكرية للإيمان ، فإننا نلاحظ أن الإلهيين الذين قالوا بوجود قوة وراء الطبيعة ، انطلقوا من الأدلة العقلية القطعية المرتكزة على أساس أن الأسباب الطبيعية للوجود لا يمكن أن تكون نهائية ، بل لا بد من أن تنتهي إلى السبب الأعمق ، لأنها لا تحمل بذور الحتمية في داخلها ، بل تتصارع فيها قابلية الوجود والعدم ، من دون وجود مرجح ذاتي لأحدهما على الآخر ، الأمر الذي يجعلها بحاجة إلى علة خارجة عنها من أجل أن ترجح جانب الوجود على العدم ، ويظل عنصر الحاجة هو الأساس الذي يحكم قانون تسلسل العلل والمعلولات حتى ينتهي إلى العلة التي تحمل بذور الحتمية في الداخل ، وهي التي نعبّر عنها ب «واجب الوجود».
وفي ضوء ذلك ، نفهم أن العلماء الذين آمنوا بالألوهية في ما وراء الطبيعة لم يغفلوا عن قانون السببية في الكون ولم يجهلوا طبيعة الأسباب