إن هذا الدعاء يعالج المسألة في الدائرة الفكرية النظرية على أساس إثارة مسألة الحاجة الذاتية لدى الإنسان في جميع مواقعه وأشكاله ، لتكون رادعا عن توجه الإنسان إلى مثله ، وغفلته عن توجّهه إلى ربه.
وهناك دعاء آخر ، يعالج المسألة في الدائرة الواقعية العملية ، على أساس التجربة الحسيّة في مشاهدات الإنسان المؤمن للنماذج البشرية ، التي عاشت الانبهار بالقوة الظاهرية لبعض الناس ، فاندفعت إليهم لتطلب العزة بهم ، والرفعة من خلالهم ، والثروة بواسطتهم ، فكانت النتائج خيبات أمل كبيرة دفعت الإنسان بعيدا عن قضاياه وحاجاته ، لأن الذين تطلّع إليهم ، وتوجّه نحوهم ، لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرّا إلّا بإذن الله ، فكيف يملكون أن يدفعوه عن غيرهم من دون إذنه ، وإذا كانت المسألة مرتبطة بالله بشكل مباشر ، فلما ذا يبتعدون عنه ، ويقتربون من غيره ، في ما لا يملكه أحد إلّا هو؟!
وهذا هو دعاء الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهالسلام متفزعا إلى الله ، وهو من أدعية « الصحيفة السجادية » :
« اللهم إني أخلصت بانقطاعي إليك ، وأقبلت بكلّي عليك ، وصرفت وجهي عمن يحتاج إلى رفدك ، وقلبت مسألتي عمن لم يستغن عن فضلك ... فكم قد رأيت ، يا إلهي ، من أناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا ، وراموا الثروة من سواك فافتقروا ، وحاولوا الارتفاع فاتّضعوا ، فصحّ بمعاينة أمثالهم حازم وفّقه اعتباره ، وأرشده إلى طريق صوابه اختياره ، فأنت ، يا مولاي ، دون كل مسئول موضع مسألتي ، ودون كل مطلوب إليه وليّ حاجتي ، أنت المخصوص قبل كل مدعوّ بدعوتي ، لا يشركك أحد في رجائي ، ولا يتفق أحد معك في دعائي ، ولا ينظمه وإياك ندائي. لك يا إلهي ، وحدانية العدد ، وملكة القدرة الصمد ، ومن سواك مرحوم في عمره ، مغلوب على أمره ، مقهور على شأنه ، مختلف الحالات متنقّل في الصفات ، فتعاليت عن الأشباه والأضداد ، وتكبّرت