العالمين ، ليبعث فيهم الشعور بالرغبة أو الرهبة.
وهذه نقلة بيانيّة في أسلوب السورة الذي ينقل الجو من الغيبة في حديث الإنسان عن الله في حمده له وتعداده لصفاته ، إلى الخطاب الذي ينطلق فيه الإنسان المؤمن بالله ، الحامد له ، المنفتح على عظمته ، من خلال انفتاحه على صفاته في ربوبيته للعالمين ، ورحمته لهم ، وسيطرته ، على مواقع الجزاء في مصيرهم ، ليخاطب الله في موقف التزام ودعاء ، وذلك أن هذا النوع من التطلّع الإيماني الفكري لله ، في صفات عظمته ورحمته ، يجسّد في وعي الإنسان الحضور الإلهي ، كما لو كانت المسألة في دائرة الإحساس الطبيعي في عمق ذاته ، تماماً كما هي الصدمة الفكرية التي تتحول إلى انطلاقة شعورية بين يدي الله ، ليعبّر له عن إخلاصه في العبودية ، وعن توحيده في العبادة وفي الاستعانة ، فلا يعبده غيره من موقع أنّه لا يعترف بالألوهية لغيره ، ولا يقر بالعبودية لسواه ، فهو وحده الإله الذي يستحق العبادة ، وهو ـ وحده ـ القادر على الإعانة ، على أساس أنه الذي يملك الأمر كله ، فلا يملك غيره معه شيئا ، مما يجعل الخلق كله عاجزا عن تقديم ما لا يريد الله أن يقدّمه من عون لنفسه وللآخرين من حوله.
وهذا الأسلوب القرآني الرائع ، يجعل مسألة التصور تطل على الانفتاح الفكري المنطلق في أجواء التأمل الروحي ، وتمثل حركة في مسألة الخطاب الإيماني ، فيما هو الإقرار الشعوري في الالتزام العقيدي. وهذا هو ما نريد أن نتمثله في الخط التربويّ الذي يتحرك في اتجاه تحويل الحالة الفكرية إلى حالة شعورية ، من أجل الوصول إلى مضمون الإيمان الذي هو الوجه الشعوري للمضمون الفكري.
* * *