من خلال توجيهه وإبعاده عن الرموز المماثلة في الماضي ، لأنّ القرآن يمثّل الحقيقة الواسعة التي تشمل الزمن كلّه وترتفع فوقه.
وفي ضوء ذلك ، فإنّنا لا نحتاج إلى الخروج عن المألوف من قواعد اللغة العربية في تفسيره ، أو إلى إبعاده عن القضايا العامة ، من أجل التركيز على هذه الحقيقة أو تلك ، أو هذا الرمز الشرعي للحقّ ، لأنّ الخطوط العامة المتناثرة فيه ، والنماذج الحيّة المتحركة في داخله ، يمكن أن توحي لنا بما نريد ، في عالم الدليل والبرهان.
ما تقدم يحدد الإطار المنهي الذي نرتئيه لمقاربة القرآن الكريم ، استنطاقاً وفهماً. والكتاب الذي بين أيدينا ، ليس إلّا ، ثمرة لهذه المقاربة ، وهو خلاصة جهد يرجع إلى أكثر من ربع قرن من الزمن إلى الوراء ، ابتدأ كحلقات تدريس تفسيرية للقرآن الكريم ، متحولاً مع الوقت إلى كتاب تفسير ، هو بمثابة مشروع ثقافي إسلامي يضرب بجذوره عميقاً في القرآن الكريم مستلهماً ومستوحياً مفاهيمه وأحكامه وقيمه ومبادئه ومواعظه وإرشاداته في مختلف المجالات والحقول ذات الصلة الوثيقة بتنظيم وإدارة وتوجيه الحياة الإنسانية بكلّ أبعادها وتجلياتها ، لا سيما بما ينسجم واستقرارها وسعادتها وتقدمها وتكاملها ، وما هذا كلّه إلّا لأنّ القرآن هو قاعدة الفكر والعمل للإنسان المسلم حيث يجد فيه مفاهيم العقيدة كأدقّ ما تكون ، وامتدادات الشريعة في خطّ الحقيقة الشرعية كأصدق ما تكون ، وانطلاقة الآفاق الفكرية والروحية والحركية في أوسع مداها. وبناءً عليه ، فإنّ القرآن الكريم هو الأساس لتأصيل عقيدة التوحيد ، والنبوّة ، واليوم الآخر ، وما يتصل بذلك من الإمامة ، والولاية ، والصفات الإلهية ، وغير ذلك. وبالتالي ، فإنّ أيّ خروج عن ظواهر مراده يجب أن لا يكون ، كما أشرنا قبلاً ، إلّا بدليل قطعي من السنة والعقل ، وبما ينسجم وقواعد اللغة العربية وفنون بلاغتها وفصاحتها.