ومن الدليل على أن هذه الهداية الثانية من الله سبحانه فرع الأولى ، آيات كثيرة كقوله تعالى : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) ، [إبراهيم : ٢٧] وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) [الحديد : ٢٨]. وقوله تعالى : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) [محمد : ٧]. وقوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الصف : ٧]. وقوله تعالى: (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) [الصف : ٥] إلى غير ذلك » (١).
وما يمكن ملاحظته هنا ، أن الآيات التي استدل بها صاحب الميزان على وجهة نظره ، لا تؤيد ما استفاده ، لأن تثبيت الله تعالى للمؤمنين (بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) ، وإيتاءه لهم (كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) ، وجعله لهم « نورا » يمشون به ، ومن ثم نصره لهم وتثبيته لأقدامهم ، ونحو ذلك ، إنما تمثل الآثار اللازمة للتقوى والإيمان بالله وبرسوله ونصرتهم لله ، فهي نتيجة لهذه الأمور وليست شيئا منفصلا عنها ، وذلك من خلال سببية المقدمات للنتائج في الواقع الكوني للوجود ، والواقع العملي للإنسان ، وهذا لا يمنع صدق النسبة إلى الله في كل شيء باعتباره مسبّب الأسباب ، أو قل السبب الأعمق في وجود كلّ شيء ، في المبدأ والتفاصيل.
وقد نجد أن اعتبار إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، من مظاهر سلامة الفطرة ، باعتبارهما مظهرا للخضوع لله في ربوبيته ؛ ليس واضحا ، لأن هذين الأمرين لم ينطلقا من حالة ذاتية للإنسان ، بل من التشريعات الإلهية.
ومن خلال ذلك ، نستطيع التأكيد أنّ كل هذه الأمور كانت من مظاهر الهدى القرآني الذي ينفتح ـ في مفاهيمه ـ على إثارة التفكير بالغيب كوسيلة من وسائل الإيمان به ، وتوجيه الإنسان إلى إقامة الصلاة والإنفاق مما رزقه الله ،
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١ ، ص : ٤٧ ـ ٤٨.