من قولهم : خذ ما طفّ لك واستطفّ أي ما دنا وأمكن ، وقال أبو سعيد : سمي الطف لأنه مشرف على العراق من أطفّ على الشيء بمعنى أطلّ ، والطف : طف الفرات أي الشاطئ ، والطف : أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية فيها كان مقتل الحسين ابن علي ، رضي الله عنه ، وهي أرض بادية قريبة من الريف فيها عدة عيون ماء جارية ، منها : الصيد والقطقطانة والرّهيمة وعين جمل وذواتها ، وهي عيون كانت للموكلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم ، وذلك أن سابور أقطعهم أرضها يعتملونها من غير أن يلزمهم خراجا ، فلما كان يوم ذي قار ونصر الله العرب بنبيه ، صلّى الله عليه وسلّم ، غلبت العرب على طائفة من تلك العيون وبقي بعضها في أيدي الأعاجم ، ثم لما قدم المسلمون الحيرة وهربت الأعاجم بعد ما طمّت عامة ما كان في أيديها منها وبقي ما في أيدي العرب فأسلموا عليه وصار ما عمروه من الأرض عشرا ، ولما انقضى أمر القادسية والمدائن وقع ما جلا عنه الأعاجم من أرض تلك العيون إلى المسلمين وأقطعوه فصارت عشرية أيضا ، وقال الأقيشر الأسدي من قصيدة :
انّي يذكّرني هندا وجارتها |
|
بالطفّ صوت حمامات على نيق |
بنات ماء معا بيض جآجئها ، |
|
حمر مناقرها صفر الحماليق |
أيدي السّقاة بهن الدهر معملة ، |
|
كأنما لونها رجع المخاريق |
أفنى تلادي وما جمّعت من نشب |
|
قرع القواقيز أفواه الأباريق |
وكان مجرى عيون الطفّ وأعراضها مجرى أعراض المدينة وقرى نجد ، وكانت صدقتها إلى عمال المدينة ، فلما ولي إسحاق بن إبراهيم بن مصعد السواد للمتوكل ضمها إلى ما في يده فتولى عماله عشرها وصيّرها سواديّة ، فهي على ذلك إلى اليوم ، ثم استخرجت فيها عيون إسلامية يجري ما عمر بها من الأرضين هذا المجرى ، قالوا : وسميت عين جمل لأن جملا مات عندها في حدثان استخراجها فسمّيت بذلك ، وقيل : إن المستخرج لها كان يقال له جمل ، وسميت عين الصيد لكثرة السمك الذي كان بها ، قال أبو دهبل الجمحي يرثي الحسين بن علي ، رضي الله عنه ، ومن قتل معه بالطفّ :
مررت على أبيات آل محمد ، |
|
فلم أرها أمثالها يوم حلّت |
فلا يبعد الله الديار وأهلها ، |
|
وإن أصبحت منهم برغمي تخلّت |
ألا إنّ قتلى الطفّ من آل هاشم |
|
أذلّت رقاب المسلمين فذلّت |
وكانوا غياثا ثم أضحوا رزيّة ، |
|
ألا عظمت تلك الرزايا وجلّت! |
وجا فارس الأشقين بعد برأسه |
|
وقد نهلت منه الرماح وعلّت |
وقال أيضا :
تبيت سكارى من أميّة نوّما ، |
|
وبالطفّ قتلى ما ينام حميمها |
وما أفسد الإسلام إلا عصابة |
|
تأمّر نوكاها فدام نعيمها |
فصارت قناة الدين في كفّ ظالم ، |
|
إذا اعوجّ منها جانب لا يقيمها |