(الْحَمِيدُ) المستحق للحمد على ذلك.
(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإنها بذاتها وصفاتها تدل على وجود صانع قادر حكيم. (وَما بَثَّ فِيهِما) عطف على (السَّماواتِ) أو ال (خَلْقُ). (مِنْ دابَّةٍ) من حي على إطلاق اسم المسبب على السبب ، أو مما يدب على الأرض وما يكون في أحد الشيئين يصدق أن فيهما في الجملة. (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ) أي في أي وقت يشاء. (قَدِيرٌ) متمكن منه و (إِذا) كما تدخل على الماضي تدخل على المضارع.
(وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(٣١)
(وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) فبسبب معاصيكم ، والفاء لأن (ما) شرطية أو متضمنة معناه ، ولم يذكرها نافع وابن عامر استغناء بما في الباء من معنى السببية. (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) من الذنوب فلا يعاقب عليها. والآية مخصوصة بالمجرمين ، فإن ما أصاب غيرهم فلأسباب أخر منها تعريضه للأجر العظيم بالصبر عليه.
(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) فائتين ما قضى عليكم من المصائب. (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يحرسكم عنها. (وَلا نَصِيرٍ) يدفعها عنكم.
(وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ)(٣٤)
(وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ) السفن الجارية. (فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) كالجبال. قالت الخنساء :
وإنّ صخرا لتأتمّ الهداة به |
|
كأنّه علم في رأسه نار |
(إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ) وقرئ «الرياح». (فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ) فيبقين ثوابت على ظهر البحر. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) لكل من وكل همته وحبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكر في آلائه ، أو لكل مؤمن كامل الإيمان فإن الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر.
(أَوْ يُوبِقْهُنَ) أو يهلكهن بإرسال الريح العاصفة المغرقة ، والمراد إهلاك أهلها لقوله : (بِما كَسَبُوا) وأصله أو يرسلها فيوبقهن لأنه قسيم يسكن فاقتصر فيه على المقصود كما في قوله : (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) إذ المعنى أو يرسلها فيوبق ناسا بذنوبهم وينج ناسا على العفو منهم ، وقرئ «ويعفو» على الاستئناف.
(وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)(٣٦)
(وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) عطف على علة مقدرة مثل لينتقم منهم (وَيَعْلَمَ) ، أو على الجزاء ونصب نصب الواقع جوابا للأشياء الستة لأنه أيضا غير واجب ، وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على الاستئناف ، وقرئ بالجزم عطفا على (يَعْفُ) فيكون المعنى ويجمع بين إهلاك قوم وإنجاء قوم وتحذير آخرين. (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) محيد من العذاب والجملة معلق عنها الفعل.
(فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) تمتعون به مدة حياتكم. (وَما عِنْدَ اللهِ) من ثواب الآخرة. (خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) لخلوص نفعه ودوامه و (ما) الأولى موصولة تضمنت معنى الشرط من حيث أن إيتاء ما أوتوا سبب للتمتع بها في الحياة الدنيا فجاءت الفاء في جوابها بخلاف الثانية.