من الإفراد لتراخي بعضها عن بعض ، و (جِهاراً) نصب على المصدر لأنه أحد نوعي الدعاء ، أو صفة مصدر محذوف بمعنى دعاء (جِهاراً) أي مجاهرا به أو الحال فيكون بمعنى مجاهرا.
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً)(١٢)
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) بالتوبة عن الكفر. (إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) للتائبين وكأنهم لما أمرهم بالعبادة قالوا : إن كنا على حق فلا نتركه وإن كنا على باطل فكيف يقبلنا ويلطف بنا من عصيناه ، فأمرهم بما يجب معاصيهم ويجلب إليهم المنح ولذلك وعدهم عليه ما هو أوقع في قلوبهم. وقيل لما طالت دعوتهم وتمادى إصرارهم حبس الله عنهم القطر أربعين سنة ، وأعقم أرحام نسائهم فوعدهم بذلك على الاستغفار عما كانوا عليه بقوله :
(يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) ولذلك شرع الاستغفار في الاستسقاء. و (السَّماءَ) تحتمل المظلة والسحاب ، والمدرار كثير الدرور ويستوي في هذا البناء المذكر والمؤنث ، والمراد بال (جَنَّاتٍ) البساتين.
(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً)(١٤)
(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) لا تأملون له توقيرا أي تعظيما لمن عبده وأطاعه فتكونوا على حال تأملون فيها تعظيمها إياكم ، و (لِلَّهِ) بيان للموقر ولو تأخر لكان صلة للوقار ، أو لا تعتقدون له عظمة فتخافوا عصيانه ، وإنما عبر عن الاعتقاد بالرجاء التابع لأدنى الظن مبالغة.
(وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) حال مقررة للإنكار من حيث إنها موجبة للرجاء فإنه خلقهم (أَطْواراً) أي تارات ، إذ خلقهم أولا عناصر ، ثم مركبات تغذى بها الإنسان ، ثم أخلاطا ، ثم نطفا ، ثم علقا ، ثم مضغا ، ثم عظاما ولحوما ، ثم أنشأهم خلقا آخر ، فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة أخرى فيعظمهم بالثواب وعلى أنه تعالى عظيم القدرة تام الحكمة ، ثم أتبع ذلك ما يؤيده من آيات الآفاق فقال.
(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً)(١٦)
(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) أي في السموات وهو في السماء الدنيا وإنما نسب إليهن لما بينهن من الملابسة. (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) مثلها به لأنها تزيل ظلمة الليل عن وجه الأرض كما يزيلها السراج عما حوله.
(وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً)(٢٠)
(وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) أنشأكم منها فاستعير الإنبات للإنشاء لأنه أدل على الحدوث والتكون من الأرض ، وأصله (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) إنباتا فنبتم نباتا ، فاختصره اكتفاء بالدلالة الالتزامية.
(ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها) مقبورين. (وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) بالحشر ، وأكده بالمصدر كما أكد به الأول دلالة على أن الإعادة محققة كالإبداء ، وأنها تكون لا محالة.
(وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) تتقلبون عليها.
(لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) واسعة جمع فج ومن لتضمن الفعل معنى الاتخاذ.