إنه لكريم ، أو مكانكم عما قريب من الولي وهو القرب ، أو ناصركم على طريقة قوله : تحيّة بينهم ضرب وجيع. أو متوليكم يتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا. (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) النار.
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)(١٦)
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) ألم يأت وقته يقال أنى الأمر يأني أنيا وأنا وإنا إذا جاء إناه ، وقرئ «ألم يئن» بكسر الهمزة وسكون النون من آن يئين بمعنى أتى و «ألما يأن». روي أن المؤمنين كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت. (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) أي القرآن وهو عطف على الذكر عطف أحد الوصفين على الآخر ، ويجوز أن يراد بالذكر أن يذكر الله ، وقرأ نافع وحفص ويعقوب (نَزَلَ) بالتخفيف. وقرئ «أنزل». (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ) عطف على (تَخْشَعَ) ، وقرأ رويس بالتاء والمراد النهي عن مماثلة أهل الكتاب فيما حكي عنهم بقوله : (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) أي فطال عليهم الأجل لطول أعمارهم وآمالهم ، أو ما بينهم وبين أنبيائهم (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ). وقرئ «الأمدّ» وهو الوقت الأطول. (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن دينهم رافضون لما في كتابهم من فرط القسوة.
(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ)(١٨)
(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) تمثيل لإحياء القلوب القاسية بالذكر والتلاوة بالإحياء والإموات ترغيبا في الخشوع وزجرا عن القساوة. (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) كي تكمل عقولكم.
(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) إن المتصدقين والمتصدقات ، وقد قرئ بهما ، وقرأ ابن كثير وأبو بكر بتخفيف الصاد أي الذين صدقوا الله ورسوله. (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) عطف على معنى الفعل في المحلى باللام لأن معناه : الذين أصدقوا ، أو صدقوا وهو على الأول للدلالة على أن المعتبر هو التصدق المقرون بالإخلاص. (يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) معناه والقراءة في (يُضاعَفُ) كما مر غير أنه لم يجزم لأنه خبر إن وهو مسند إلى (لَهُمْ) أو إلى ضمير المصدر.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)(١٩)
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي أولئك عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء ، أو هم المبالغون في الصدق فإنهم آمنوا وصدقوا جميع أخبار الله ورسله والقائمون بالشهادة لله ولهم ، أو على الأمم يوم القيامة. وقيل (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) مبتدأ وخبر ، والمراد به الأنبياء من قوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) أو الذين استشهدوا في سبيل الله. (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم ولكنه من غير تضعيف ليحل التفاوت ، أو الأجر والنور الموعودان لهم. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) فيه دليل على أن الخلود في النار مخصوص بالكفار من حيث إن التركيب يشعر بالاختصاص والصحبة تدل على الملازمة عرفا.