نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(١٢)
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي من الذي ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوضه ، فإنه كمن يقرضه وحسن الإنفاق بالإخلاص فيه وتحري أكرم المال وأفضل الجهات له. (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) أي يعطي أجره أضعافا. (وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه ينبغي أن يتوخى وإن لم يضاعف ، فكيف وقد يضاعف أضعافا. وقرأ عاصم (فَيُضاعِفَهُ) بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى فكأنه قال : أيقرض الله أحد فيضاعفه له. وقرأ ابن كثير «فيضعفه» مرفوعا وقرأ ابن عامر ويعقوب «فيضعفه» منصوبا.
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ظرف لقوله (وَلَهُ) أو (فَيُضاعِفَهُ) أو مقدر باذكر (يَسْعى نُورُهُمْ) ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة. (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين. (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ) أي يقول لهم من يتلقاهم من الملائكة (بُشْراكُمُ) أي المبشر به جنات ، أو (بُشْراكُمُ) دخول جنات. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الإشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة.
(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ)(١٣)
(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ) بدل من (يَوْمَ تَرَى). (لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا) انتظرونا فإنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف ، أو انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم. وقرأ حمزة «أنظرونا» على أن اتئادهم ليلحقوا بهم إمهال لهم. (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) نصب منه. (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) إلى الدنيا. (فَالْتَمِسُوا نُوراً) بتحصيل المعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة ، فإنه يتولد منها أو إلى الموقف فإنه من ثمة يقتبس ، أو إلى حيث شئتم فاطلبوا نورا آخر فإنه لا سبيل لكم إلى هذا ، وهو تهكم بهم وتخييب من المؤمنين أو الملائكة (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ) بين المؤمنين والمنافقين. (بِسُورٍ) بحائط. (لَهُ بابٌ) يدخل منه المؤمنون. (باطِنُهُ) باطن السور أو الباب. (فِيهِ الرَّحْمَةُ) لأنه يلي الجنة. (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) من جهته لأنه يلي النار.
(يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(١٥)
(يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) يريدون موافقتهم في الظاهر. (قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) بالنفاق. (وَتَرَبَّصْتُمْ) بالمؤمنين الدوائر. (وَارْتَبْتُمْ) وشككتم في الدين. (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) كامتداد العمر. (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) وهو الموت. (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) الشيطان أو الدنيا.
(فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) فداء وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتاء. (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ظاهرا وباطنا. (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) هي أولى بكم كقول لبيد :
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه |
|
مولى المخافة خلفها وأمامها |
وحقيقته محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كقولك : هو مئنة الكرم أي مكان قول القائل