الحديبية فتخلفوا واعتلوا بالشغل بأموالهم وأهاليهم ، وإنما خلفهم الخذلان وضعف العقيدة والخوف من مقاتلة قريش إن صدوهم. (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) إذ لم يكن لنا من يقوم بأشغالهم ، وقرئ بالتشديد للتكثير. (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) من الله على التخلف. (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) تكذيب لهم في الاعتذار والاستغفار. (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) فمن يمنعكم من مشيئته وقضائه. (إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا) ما يضركم كقتل أو هزيمة أو خلل في المال والأهل عقوبة على التخلف ، وقرأ حمزة والكسائي بالضم. (أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) ما يضاد ذلك ، وهو تعريض بالرد. (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه.
(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً)(١٢)
(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) لظنكم أن المشركين يستأصلونهم ، وأهلون جمع أهل وقد يجمع على أهلات كأرضات على أن أصله أهلة وأما أهال فاسم جمع كليال. (وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ) فتمكن فيها ، وقرئ على البناء للفاعل وهو الله أو الشيطان. (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) الظن المذكور ، والمراد التسجيل عليه ب (السَّوْءِ) أو هو وسائر ما يظنون بالله ورسوله من الأمور الزائغة. (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) هالكين عند الله لفساد عقيدتكم وسوء نيتكم.
(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(١٤)
(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) وضع الكافرين موضع الضمير إيذانا بأن من لم يجمع بين الإيمان بالله ورسوله فهو كافر وأنه مستوجب للسعير بكفره ، وتنكير سعيرا للتهويل أو لأنها نار مخصوصة.
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يدبره كيف يشاء. (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) إذ لا وجوب عليه. (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) فإن الغفران والرحمة من ذاته والتعذيب داخل تحت قضائه بالعرض ، ولذلك جاء في الحديث الإلهي «سبقت رحمتي غضبي».
(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)(١٥)
(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) يعني المذكورين. (إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) يعني مغانم خيبر فإنه عليهالسلام رجع من الحديبية في ذي الحجة من سنة ست وأقام بالمدينة بقيتها وأوائل المحرم ، ثم غزا خيبر بمن شهد الحديبية ففتحها وغنم أموالا كثيرة فخصها بهم. (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) أن يغيروه وهو وعده لأهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة مغانم خيبر ، وقيل قوله : (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) والظاهر أنه في تبوك. والكلام اسم للتكليم غلب في الجملة المفيدة وقرأ حمزة والكسائي «كلم الله» وهو جمع كلمة. (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا) نفي في معنى النهي. (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ). من قبل تهيئهم للخروج إلى خيبر. (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا) أن يشارككم في الغنائم ، وقرئ بالكسر. (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ) لا يفهمون. (إِلَّا قَلِيلاً) إلا فهما قليلا وهو فطنتهم لأمور الدنيا ، ومعنى الإضراب الأول رد منهم أن يكون